وقد تركت عملية «التطهير» منطقة الدخلة في حالة دمار لن تستطيع النهوض إلا بعد وقت طويل، وسينشأ الأطفال هناك وأمام أعينهم أشباح من الخرائب والفظائع، وسيشب الكثير منهم في اليتم والتعاسة، أما الفتيات المغتصبات فسيحملن في نفوسهن مرارة تلك الشناعة طول الحياة، وستشهد البيوت وأضرحة الأولياء والمساجد على مرور السفاحين النهابين الهدامين الذين أوفدتهم وزارة الدفاع الفرنسية إلى تلك البقاع.
ولقد طالب شعب تونس باحترام كرامته وسيادته بحق تونس في أن تكون لها حكومة وطنية تونسية ونظام تمثيلي نيابي ديمقراطي، فأجابه ممثلو فرنسا بالقمع وعمليات «التطهير».
إن ضمير كل إنسان حر مهما يكن جنسه أو دينه ليحكم حكمه البات على ذلك الصنيع.
وقد قامت وزارة دولة السيد محمد شنيق الوطنية بواجبها نحو المنكوبين؛ إذ لم تكتف بمجرد الاحتجاج، بل كونت في الحال لجنة تحقيق مؤلفة من اثنين من أعضائها: هما وزير الدولة محمود الماطري ووزير الصحة محمد بن سالم، وطلبت رسميا من الإقامة العامة أن ترسل نائبا عنها ينضم إلى لجنة التحقيق، فسكتت الإقامة العامة عن ذلك، وبعد أن زارت اللجنة جميع مدن الدخلة وقراها وقامت يبحث دقيق على العين سجلت ما شاهدته من حقائق وفظائع في تقرير رسمي، حتى لا يبقى للسلطات الفرنسية مجال للتلاعب بالألفاظ وإنكار الواقع المحسوس، فابلغ السيد محمد شنيق نسخة من ذلك التقرير إلى الإقامة العامة الفرنسية وأردفها بهذه الرسالة:
تونس في 1 فبراير 1952
من الوزير الأول للمملكة التونسية إلى السفير المقيم العام لفرنسا بتونس
الموضوع: حوادث الدخلة - تقرير التحقيق وضعه معالي وزير الدولة ومعالي وزير الصحة العامة
صحبة هذا نسخة من ذلك التقرير
تبعا لرسالتي عدد 45 ب م/س ا ب بتاريخ 6 فبراير 1951 أتشرف بإبلاغكم صحبة هذا نسخة من التقرير الذي وضعه معالي الدكتور الماطري والدكتور ابن سالم، وقد كلفا بإجراء بحث رسمي على العين فيما يتعلق بحوادث الدخلة.
ويؤسفني أنكم لم تروا ما أوعزت لكم به من إرسال من يمثلكم ليشارك في ذلك البحث؛ إذ إنه كان يأتي بارتسامات مباشرة عن المنظر المؤلم الذي ظهر للباحثين، ولا يمكن إلا أن يتراءى بصفة غير تامة خلال ما في تقرير كتابي من جفاف.
Bog aan la aqoon