Tunis Khadra
تونس الخضراء
Noocyada
بعث ذلك الموقف إيطاليا على اتخاذ موقف عداء صريح من فرنسا في تونس، ووجدت فرنسا أن لا بد من القيام بعمل حاسم في تونس، قبل أن تسبقها إيطاليا إليه، وحمسها بسمارك على اتخاذ هذه الخطوة.
ولا يفيد ذلك أن الرأي العام في فرنسا ممثلا في البرلمان أو في الصحافة قد مال إذ ذاك إلى صف المشروعات الاستعمارية، الواقع أن لا. بل إن ذلك الرأي العام لم ير فيها إلا شبه خيانة للقضية القومية الكبرى، تشتيتا للجهود، إلا تسليما نهائيا بتسوية 1871م، وهل يطلب دليل على صحة هذا أقوى من كون التشجيع على الإقدام على تلك المشروعات يأتي من بسمارك نفسه؟
والواقع أنه لا الرأي العام ولا البرلمان قد عدلا عن خطتهما، والصحيح أن جانبا قويا من الزعامة الجمهورية قد انحازت إلى الرأي القائل بأنه ينبغي على الجمهورية ألا تبقى إلى الأبد متسربلة بثياب الحداد، بل عليها أن تنهض ، وأن ترعى مصالحها، وأن تتبوأ مكانها الجدير بها.
كان جول فري من أبناء اللورين، ولا بد أنه أحس بكارثة 1871م إحساسا قويا، ولكنه كان يرى أيضا أن ذلك الجيل من الفرنسيين كان عليه واجبات نحو فرنسا، وأن فرنسا ينبغي ألا تنزل عن مكانها الخليق بها وأن مصلحتها في بلاد الجزائر، وتأمين حدودها، ورعاية مصالحها في تونس تتطلب عملا حاسما في تونس، وإلا سبقتها إيطاليا إليه. أي أنه كان يرى أنه ينبغي أن يأخذ أكثر ما يستطيع دون نزول أو تخل عن حقوق فرنسا التاريخية، وقد تحمل في سبيل فكرته هذه عنتا شديدا من مواطنيه.
والظاهر أيضا أن فري لقي تأييدا في خطته من الزعيم الجمهوري الكبير جامبتا، الذي أخذ في آخر أيامه يبتعد شيئا ما من فكرة حرب انتقامية ضد ألمانيا.
وقد حملت هذه العوامل المختلفة «فري» على أن يخفي جهد الاستطاعة حدود عمله في تونس، وأن يضيق دائرة التزامات فرنسا في تونس.
دخلت الجنود الفرنسية تونس تحت ستار تأمين الحدود، وأرغمت الباي على توقيع معاهدة باردو (مايو 1881م). وتعطي هذه المعاهدة فرنسا حق احتلال الأرض التونسية وإدارة المسائل الحربية، ولكنها لا تشير إلى الحماية الفرنسية، وعلى أثر الاضطراب في سفاقس، وقع الباي اتفاقا ثانيا (يونيو 1883م) نالت به فرنسا حمايتها لتونس، والتدخل في مسائلها الداخلية. وقد تم سنة 1884م تكوين أدوات الإدارة اللازمة، وبدأت تونس عهدا جديدا.
سارت فرنسا في تونس على نهج يخالف منهجها في الجزائر، ولم ينل الحياة الإسلامية في تونس ما نالها في الجزائر من التحطيم المقصود وغير المقصود. فتونس في العهد الفرنسي قطر «محمي» له إطار إداري تونسي، على عكس الجزائر فهي «قطعة» من فرنسا، والجزائر أرض استعمار يستفلحها ألوف من الفلاحين الأوروبيين فرنسيين وغير فرنسيين. أما تونس فهي أرض «استغلال» تعمل فيها «رءوس الأموال» الكبيرة فرنسية وغير فرنسية، وفي تونس ما تثيره السلالة الإيطالية المستقرة بها من مشكلات تمس العلاقات بين إيطاليا وفرنسا، «ولا تعرف الجزائر» مشكلات من ذلك النوع.
إن الفضل في وضع قواعد الحكم الفرنسي في تونس يرجع بصفة خاصة لبول كامبون
، المقيم العام فيما بين 1882 و1886م، ويمكننا أن نحلل في الوضع التالي الثنائية الفرنسية التونسية إلى ما انتهت إليه:
Bog aan la aqoon