Tunis Khadra
تونس الخضراء
Noocyada
وحاول حميدة - وكان رجلا غليظ القلب مقداما - أن يستعيد ملك آبائه فلم يفلح. ثم ظهر بطل جديد هو القرصان التركي درغوث، وكان في يد الجنويين، ولم يطلقوا سراحه إلا في مقابل تسليمهم جزيرة طبرقة، وطرده الإسبان من المهدية عام 1550م، إلا أنه استطاع بمهارة أن يفلت من أندريا دوريا في أبريل من العام نفسه بين ممرات جربة، واستطاع من قاعدته في طرابلس أن يحتل قفصة والقيروان، وفيها ترك فرقة من الجند تحت إمرة حيدر باشا، ولما قاد دوق مدينة سالم حملة على جربة، هزمه درغوث هزيمة منكرة، ثم هلك في حصار مالطة عام 1565م.
واستمرت الحرب بين حميدة وعامل الإسبان على حلق الوادي، على الرغم مما عقد بينهما من المعاهدات، فسهل ذلك على أمير الجزائر علي باشا احتلال تونس، فوضع فيها حامية من الجند، ثم استعاد دون جون النمسوي مدينة تونس من الترك، فأعاد سلطان الحفصيين لآخر مرة بتأثير محمد بن الحسن، وتعيين سربلوني مشيرا له، واستولت جنود الترك التي جاء بها أسطول سنان باشا من القسطنطينية على تونس وحلق الوادي، فوضعوا بذلك حدا لحكم الإسبان، وكان مزعزعا لا يطول به العهد، وقضى على دولة بني حفص «الوطنية» التي كانت عزيزة الجانب، وأصبحت على مر الأيام لا حول لها ولا قوة، وكانت عودة حميدة إلى الملك بمثابة صحوة الموت لهذه الدولة، فقد بسط سلطانه على فيافي تونس والجريد أعواما.
أما سنان باشا، فقد جعل تونس ولاية تركية ملحقة بالجزائر يحكمها باشا، وذلك قبل أن يعود إلى القسطنطينية، ثم أصبحت منذ عام 1587م تابعة للباب العالي مباشرة، وكان يقود جيش الاحتلال أغا، ويتألف هذا الجيش من أربعة آلاف رجل على رأس كل مائة داعي «داي»، واستبد الديوان بالأمر، وهو الهيئة الحاكمة التي تضم الضباط العظام. فاندلعت نيران الثورة، وانتهت بوضع أزمة الأمور في يد واحد من هؤلاء الدعاة «الدايات»، وأصبح منصب الباشا في عهد هؤلاء الدعاة منصب شرف فحسب، وإن كان يمثل السلطان، أما الديوان فقد أعيد تنظيمه وقويت شوكته، مثله في ذلك مثل طائفة الرعايا؛ أي «طائفة القرصان». أما من ناحية الدين فقد كانت الصدارة للمذهب الحنفي.
ويعود الفضل في تنظيم الولاية للداعي الثالث عثمان، فقد أصدر مجموعة من القوانين موسومة ب «الميزان»، واستطاع أن يحافظ على الأمن في البلاد يعاونه «باي» مهمته جمع الضرائب بقوة الجند في دورتين كل سنة، وأشرفت الدولة على القرصنة في البحار، وشاركت في غنائمها، ولما طرد المسلمون من الأندلس عام 1609م استقروا في كثير من بلاد تونس مثل رأس أدار وطبورية ومجاز الباب وتستور وقلعة الأندلس، فروجوا سوق الخضر، ونشطت بعض الصناعات كالصباغة وصناعة الجوارب.
وضعف سلطان تركيا على تونس إلى حد أن فرنسا أصبحت تتمتع بفضل الامتيازات العثمانية بمكانة رفيعة في أرجاء الدولة العلية بأسرها، فأنشأت قنصلية لها في تونس 1577م، واقتضى الأمر أن أرسلت عام 1606م سفيرا هو ده بريف، لكي يتصل مباشرة بأولي الأمر في تونس.
واستعاد يوسف زوج ابنة عثمان وخليفته مدينة جربة من باشا طرابلس، واتفق في عهده على تسوية الحدود بين تونس وبين الجزائر؛ نتيجة لغارات الجزائر عليها، ثم خلفه داع اسمه الأسطى مراد (1637-1640م)، وكان قرصانا جنويا دخل في الإسلام، فحصن غار الملح وأسكن فيه جماعة من أهل الأندلس، ولكن سلطان الدعاة «الدايات» كان آخذا في الضعف، ولسنا في حاجة إلى ذكر الدعاة الأربعة والعشرين «خوجة ولاز وغيرهما» الذين حكموا من عام 1640 إلى عام 1702م؛ لهوان شأنهم ولأنهم أصبحوا ألعوبة في يد البايات الذين نجحوا آخر الأمر في القضاء عليهم.
وحكم الباي مراد من عام 1612 إلى عام 1631م، وكان قورسيقيا يلقب بالباشا، وقد تنازل في حياته لابنه محمد، فأصبح بدوره باشا، واعتمد في حكمه على كتيبة من الصبائحية وزعها بين تونس والقيروان والكاف وباجة، وأصبح سيد البلاد دون منازع.
وقد أسس حمودة الدولة المرادية، فحكم ابناه مراد ومحمد الحفصي وأحفاده محمد وعلي ورمضان، فكانت الفتن تهدد سلطانهم، وبلغت هذه الفتن غايتها بمقتل ابن حفيده مراد عام 1702م.
وامتاز النصف الأول من القرن السابع عشر بعودة العلاقات التجارية بين تونس وأوروبا، وبخاصة بينها وبين مرسيليا وليفرنو، ويرجع الفضل في ذلك إلى تجار النصارى واليهود، واتجرت في المرجان الشركات المرسيلية المؤسسة في رأس الأسود وبنزرت جنوبي طبرقة، وكانت تربح من تصدير الجلود والحبوب، واتسعت علاقات الولاية بالخارج، فشملت أمما مثل بريطانيا العظمى والأراضي الواطئة. فكانت وحدات من الأساطيل الأوروبية في النصف الثاني من هذا القرن تضرب الساحل بقنابلها، إلى جانب الحملات التي درج فرسان مالطة على القيام بها؛ انتقاما لأعمال القرصنة الماضية.
وازدهرت البلاد في الداخل أول الأمر، كما يستدل من إقامة المنشآت العامة والمساجد في طول البلاد وعرضها، ثم ساءت الأحوال على مر الأيام في عهد المتأخرين من المرادية، حتى استطاعت الجزائر أن تقوم بغزواتها.
Bog aan la aqoon