Tunis Khadra
تونس الخضراء
Noocyada
ولما رغب بنو حفص في نشر ألوية السلام على إفريقية، كانت تواجههم دائما خلافات الأعراب فيما بينهم، وما أثاروه من فتن وقلاقل، فأضعف ذلك من سلطان الحكومة المركزية إبان القرن الرابع عشر الميلادي.
وكان لهذه الدولة عهود زاهرة حتى وفاة الخليفة المستنصر عام 1277م؛ ذلك أنهم بسطوا سلطانهم على الرغم من الثورات التي كانت تنشب بين حين وحين من طرابلس إلى صميم بلاد الجزائر، ومكنوا لأنفسهم في المدن الهامة، وامتد نفوذهم إلى ما وراء شمالي إفريقية، فلفت أنظار إسبانيا وأوروبا المسيحية. وفي هذا العهد توطدت العلاقات التجارية المنظمة مع برشلونة ومرسيليا وجنوة وبيزا وصقلية والبندقية، فعقدت معاهدات تنظم التجارة والملاحة وأنشئت في تونس قنصلية وزادت جباية المكوس، فدفعت تونس الجزية إلى صقلية ثم إلى أرغونة.
وصفوة القول أن الحكم في إفريقية كان أوطد وأزهر مما كان عليه في القرنين السابقين، وآية ذلك نهضة علوم الفقه وفن العمارة، وقد تعاقبت على البلاد فتن أثارها نزوع بعض الأمراء إلى العرش ممن تربطهم بالخليفة قرابة صحيحة أو مزعومة.
ومما يبعث على الأسف أن هذه الفتن أضعفت سلطان الخليفة، وأوهنت الروابط القائمة بين رعاياه، وولي الحكم من أعقاب المستنصر أمير واحد، هو أبو عصيدة، وبوفاته خرج الحكم من هذا الفرع. فحكم أخ ثالث هو أبو حفص ثم ابن عم له هو أبو يحيى بن اللحياني، وقد استقر السلطان آخر الأمر في أعقاب ابن آخر من أبناء أبي زكريا هو أبو إسحاق إبراهيم.
وانفصمت أواصر الوحدة بين بني حفص زمانا بخروج بجاية عن طاعتهم، وقيام دولة مستقلة فيها، ثم عادوا إلى ما كانوا عليه من اتحاد، وكانت جربة قد بقيت في يد النصارى مذ فتحها روجر صاحب لورية، فأخذها الحفصيون منهم، ووقفوا في وجه بني عبد الواد بفضل تحالفهم مع المرينيين الذين قويت شوكتهم. بيد أن هذا الحلف كان ينطوي على خطر دفين، فقد استغل أبو الحسن السلطان المريني الواسع الأطماع الفتن الداخلية، وبادر إلى فتح إفريقية، واستقر هو وفقهاؤه ورجال بلاطه في مدينة تونس، ولم يكن ليعيد بني حفص إلى السلطان غير فتنة عربية موفقة، وقد حدثت هذه الفتنة عام 1250م بيد أن جيوش أبي عنان المريني استطاعت بعد سبع سنين أن تحتل تونس مرة أخرى، ولم تثبت أقدامهم فيها طويلا.
وفي هذا العهد، أيام أبي إسحاق إبراهيم، ظهر سلطان الحاجب الدساس ابن تافراكين، ولكنه لم يوفق تمام التوفيق فيما بذل من جهد لإعادة وحدة هذه الدولة، فقد خرج جنوبها خاصة عن طاعة الخليفة، وظهرت دويلات مستقلة في تلك الربوع، فحكم بنو يملول في توزر وبنو الخلف نفطة، وبنو مكي في قابس وبنو ثابت في طرابلس، إلا أن أبا العباس (1370-1394م) الذي بدأ حياته السياسية في قسنطينة، أعاد إلى الدولة مجدها، فكان ينفذ الحملات الواحدة بعد الأخرى، حتى دان له الثوار بالطاعة، وفي عهده أرادت جماعة من الصليبيين الجنويين الفرنجة أن تثأر من القرصان الذين جاوز طغيانهم الحد، ففشلت أمام المهدية 1390م.
ونهض ابنه أبو فارس بالأسطول، وأنفذ حملة بحرية على مالطة 1428م، وكان لزاما عليه من الناحية الأخرى أن يرد عادية القطلونيين والصقليين، وأنفذ حملة كبيرة على جربة، وأقام الحصون في رأس أدار ورفرف والحمامات لرد غائلتهم ثم استولى على تلمسان.
وكان عهد الحفصيين في القرن الخامس عشر يتميز بزيادة نفوذ الموالي، الذين كانوا يستعملون على الأقاليم والجيش ويعرفون بالقواد، وقد كان الأمير أبو عمرو عثمان آخر السلاطين المبرزين، وارتبطت تونس بعلاقات ودية مع أوروبا على الرغم من نشاط قرصانها، وأذن للقطلونيين والجنويين بصيد المرجان في طبرقة، وسمك التون في رأس أدار. أما في الداخل فقد اتسع سلطان مذهب المرابطين، الذي جاء من الغرب وارتقت الزراعة على الرغم من شغب الأعراب، وسرعان ما ساءت الأحوال بموت عثمان، فحكم البلاد ثلاثة من الخلفاء في غضون أعوام قليلة، ثم أخذ نجم الدولة يأفل أيام أبي عبد الله، فمزق أوصالها انتقاض القبائل عليها، قبل أن تحيق بها ضربات الإسبان الذين طاردوا قراصنة الترك في هذه الربوع.
وفي عام 1510م جردها بدرونافارو من بجاية وطرابلس، وفي عام 1520م احتل هيوزده منكاد جربة إلى حين، ثم طرد خير الدين بربروسه آخر الأمر الحسن بن أبي عبد الله من تونس.
ولم يعد الحسن إليها إلا عندما استولى شارل الخامس على المدينة، وأصبح قيلا من أقيالها، وسلم للإسبان حصن حلق الوادي، وساءت الأحوال في تونس عندما استولى أندريا دوريا على مدن سفاقس وسوسة والمنستير، ثم حلت بالإسبان حوادث خطيرة وخارت عزيمة جند الحسن، فذهب يطلب العون من أوروبا، ولكن ابنه أحمد حميدة انتهز فرصة غيابه وخلعه.
Bog aan la aqoon