Tuhfat Asmac
تحفة الأسماع والأبصار
ولما اتصلنا بجماعة العسكر الواصلين من مسوع، ووجدنا رسول الإمام الذي قدمناه قد خرج مع أولئك العسكر، فسر بوصولنا واستبشر، وحمد الله على ذلك فأكثر، وعلمنا أن الله سبحانه قد نجانا من شر الكافرين وكيد الكايدين، وأوجد الله سبحانه وتعالى في قلوبنا أنسا وطمأنينة، وأبدلها عما كانت فيه من القلق وقارا وسكينة، وارتحلنا نحن وجماعة العسكر جميعا في ذلك الحال إلى بندر مسوع، فسرنا بقية يومنا ذلك، وفي اليوم الثاني دخلنا بندر مسوع وقت انتصاف النهار، فتلقانا النايب فيه بأحسن الكرامة، وأسنى ما نحب من البشاشة التي هي دليل رعاية العهد وعنوان السلامة، وأقمنا هنالك ثمانية أيام نهيء ما نحتاج إليه في سفر البحر، وبعد انقضاء تلك الأيام ركبنا في ثلاث سفن متوجهين إلى ساحل بندر (اللحية) فوصلنا إلى جزيرة (دهلك) وتحيرنا فيه قدر أربعة أيام لعدم استواء الريح، ثم بعد ذلك تيسرت الريح المناسبة، فتوجهت الجلاب قاطعة عرض البحر من جهة المغرب إلى جهة المشرق، وعزم ربان السفينة على السفر ليلا ونهارا مع الإقتداء بالنجوم التي يهتد بها في ظلمات البر والبحر فسافرنا ذلك اليوم والليلة التي تليه واليوم الثاني إلى وقت العصر، ثم طلع علينا من أمامنا من جهة اللحية سحاب متراكم وثار[99/أ] مع ذلك الريح العاصف المهيج موج البحر المتلاطم، فما زال يقرب منا فإذا البحر قد اضطربت أمواجه، وماجت جوانبه وأثباجه، وأمطرت السماء بما شاء الله أن تمطر، فاجتمع هول المطر مع هول ذلك الريح الذي صرنا معه إلى أعظم خطر، وأهل الجلبة يعالجون أعمالهم، ويتفقدون أحوالهم، وهم ينتظرون انفراج الشدة في أقرب مدة، فطال عليهم ذلك حتى ضعفت قواهم وتفاقم الأمر، وعظم الحادث، وجارت الألسنة بالدعاء إلى الله عز وجل، والتوسل إليه بكل ذي حق عليه أن يفرج عنا ذلك الهول الأهول، ودام علينا ذلك المطر تلك الليلة مع اليوم التالي لها مع الليلة التي تليه، فكان دوامه ليلتين ويوما، وكان معنا في هذا السفينة زورق صغير، فرسب في البحر لما امتلأ ماء فجذب السفينة لما كان مربوطا إليها، وقد كان ربان السفينة وثب منها إلى هذا الزورق ولا ندري بمراده من ذلك، فلما رسب الزورق في البحر تعلق الربان بجانب السفينة وصرخ بصوته إلى أصحابه يستنقذونه فلم يجبه أحد لما نزل بهم من الهول، وأصابهم من ذلك الحادث الذي سلبهم الحركة، وأخرسهم عن القول، فوثب إلى ذلك الربان رجل من أصحابنا فتناوله إليه وأطلعه، وقد أشرفت السفينة على الغرق بسبب جذب ذلك الزورق، فأخذ ذلك الرجل من أصحابنا سفينة وقطع حبل الزورق فانفصل عن السفينة وذهب في البحر.
Bogga 421