Tuhfat Asmac
تحفة الأسماع والأبصار
ولما وصلنا هذه القرية المختصة بالمسلمين جاء رجل إلى الحاج سالم بن عبدالرحيم رسول الملك الذي نحن في صحبته، يخبره أن رجلين من أصحابه قد اتصلوا بوزراء الملك، وألقيا كلاما إليهم، معناه أن الحاج سالم قد جاء في صحبته بهذا الرجل العربي وهو من أهل شريعة دين الإسلام، ويريد أن يدخل الملك في دينهم، ويغير دينكم، ويمحوا شريعتكم، وأمرنا هذا الرجل النذير بافتقاد مامعنا من كتب الإمام -عليه السلام- لئلا يكون فيها شيء مما يصدق ذلك الحديث، فجاء الحاج سالم إلي مبهوتا من ذلك خايفا مرعوبا، وقال لي: انظر في كتاب الإمام -عليه السلام- وتحقق ألفاظه، فإن وجدت فيه ما تخشى عاقبته أصلحته وحولت عبارته، وقلت فيه ما شئت فإنهم قوم لا يفقهون، فأعدت نظرا في الكتاب وهو غير مختوم، فإذا فيه من الكلام ما يجد له عذرا وإن كان فيه نحو قوله تعالى:{ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} إلى آخر الآية، فكنا هيأنا لمثل ذلك عذرا إن جرى فيه المناقشة على أن قلوبنا مع ذلك ساكنة شديدة، لم نجد فيه قلقا ولا اضطرابا، فكتمنا ذلك في نفوسنا، وأسررناه في ضمائرنا، ثم تقدمنا ذلك اليوم إلى محل يتصل بمدينة الملك ويعد من جوانبها ووقفنا هنالك، وهؤلاء النصارى على عموم ليس فيهم شيء من المرؤة ومكارم الأخلاق التي لا يمنعها شؤم الكفر ولا تخلت ملة من الملل من الإتفاق على أنها من صفات المحامد وخصال الأماجد، أما هؤلاء القوم فرأيناهم في اللؤم وشدة البخل كأنهم جميعا أخلاق رجل واحد، إلا أن تكون عليهم يد غالبة وسلطان قاهر، فمن جملة لؤمهم أنا بتنا في هذه القرية طاوين من الطعام، ولم ندخل أماكنهم إلا بالقهر لهم والغلبة عليهم، ثم إنا بعثنا إلى الملك رسولا يخبره بوصولنا إلى ذلك المحل ويستأذنه بقدومنا عليه فأبطأ الرسول[88/أ] ولم يرجع إلينا الجواب إلا في آخر اليوم الثاني لبعد منال الملك وصعوبة الإتصال به وسوء معاملة وزرائه وأعوانه.
Bogga 384