وأما عملهم فيما نظمه قول الله عز وجل: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وقوله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} يعتقدون هذه على ظاهرها ومعناها الذي يدل عليه فطر العقول وألباب أهل البصاير، ولغة العرب الفصحى لا يدعون لها باطنا، ولا يدينون بخلاف ما يقتضيه أمرها ونهيها ظاهرا، وقد بعدكم الله وله المنة عليكم في هذا الزمان من مقارنة أهل الضلال، وخدع أهل المكر، ومن يكيد الإسلام، ويريد تبديل الدين، ويغر عباد الله بإدخالهم فيما لا تفهمه عقولهم، ولا تعيه ألبابهم، ولا تقتضيه لغتهم، فإنهم لم يريدوا بدعواهم الباطن غير خدع الجاهلين واضلال العالمين، وابطال خطاب الله عز وجل وخطاب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم: إن للظاهر باطنا على خلافه لا يطلع عليه غيرهم، وانظروا بعقولكم فنحن نحاكمكم إليها، ونحيلكم عليها من أحق بالتهمة الله عز وجل مع ما أظهر من آيات قدرته، وبينات آياته ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم مع ما ظهر على يديه من المعجزات، وجرى في تصديقه من البراهين النيرات، أم هؤلاء الذين أدعوا بالباطل بمجرد أقوالهم، لا يحيلون ذلك على عقل عاقل، ولا فهم فاهم، فإنه والعياذ بالله إذا صح التلبيس في خطاب الله عز وجل وهو (العليم الحكيم) وجاز أن يريد بكلامه أمرا باطنا لا يعرف كلامهم الذي ادعوا أنه الباطن أحق بأن تقع فيه التهمة، وتتعلق به الريبة لأنهم ليسوا بأرباب ظهرت آياتهم، ولا أنبياء ظهرت معجزاتهم، وإنما هم من جملة عباد الله وخلقه، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا يدري أحدهم ما ينزل به من فقر ولا غنى، ولا صحة ولا سقم، ولا مرض ولا هرم، ولا موت ولا حياة، وهل يمكن العاقل[68/ب] إذا صدق دعواهم أن يتصرف بعقله، أو فهمه أو لغته أو عرفه في نفسه أو في ولده أو في أخيه أو في مملوكه، أو في أي شيء مما خوله الله من نعمه؟ لأن كلامهم ذلك يؤدي إلى أن نجوز الأمر في حق نفسه على أمر باطل مخالف لما يعرف، وكذلك في ولده وماله وزوجته ومملوكه وأكله وشربه ولباسه، وجميع تصرفاته، فكيف يسوغ الإنتفاع بشيء من ذلك، وهو لا يدري حكمه، ولا ما باطنه؟ تأملوا رحمكم الله تعالى ذلك بعقولكم وأفهامكم فما منكم إلا من له عقل وفهم ونظر، وانظروا إلى كتمانهم لدعواهم هذه لو كانت حقا لما كتموها عن أتباعهم وأسروها في أنفسهم، فإن الحق والصواب لا ينبغي أن يستر:
Bogga 320