177

Tuhfat Asmac

تحفة الأسماع والأبصار

Noocyada

وقد تقدم في سيرة الإمام المؤيد بالله -عليه السلام- صفة موالاة الأمير الكبير عبد القادر بن محمد بن علي بن سليمان، صاحب خنفر وحسن موالاته ، وأنه كان يروى عنه عزم وصحة موالاته مع السخاء الذي لا وراءه، وفيه نزاهة وملازمة لوظائف الصلاة، وكان فيما أخبرني حي الشيخ المجاهد علي بن شمسان الغربي الجبري-رحمه الله- وكذا حي الفقيه علي بن المعافا الذماري وأخبرني أيضا بجملة ما فصله القاضي حسام الدين الهادي بن عبدالله الحارثي، أن سلطان سحرت من بلاد الحبشة صاحب مدينة منسبة، كان نصرانيا فخالطه تجار من المسلمين ومن أشراف حضرموت[57/أ] المعروفين ببني باعلوي فأسلم وأسلم معه جمهور أهل مملكته، وحارب ملك النصارى صاحب الحبشة، وتكاثرت عليه المشركون فقتل فاستولوا على مدينته ومملكته، وكان قد تزوج امرأة من الأشراف آل باعلوي، وولد منها ولد أسماه محمدا فأخذ من جملة من أخذ أصحاب السلطان وأمه وقد اشتهر عندهم أنها شريفة، وكان يدعى ولدها لذلك بالشريف محمد. فلما صاروا عند صاحب الحبشة، وأخبروه بأنها شريفة فعظمها وجعل لها ولولدها إقطاعات، وجعل على مكانها حريما لا يخالطها إليه غير من لا غنى لهم عنه، ثم أنه أدخل ولدها هذا المكتب وعلموه مع أولادهم الإنجيل وصبغوه بالنصرانية حتى كان من العلماء فيهم ومن وعاظهم، فكانت والدته تخوفه بالله وتنكر عليه فعله، ثم إنها تلت عليه شيئا من القرآن فذاقه وتلهف على حفظه، وكانت أمه لا تحفظ كثيرا من القرآن، فوصفت له تجار الإسلام، وطلبت منه أن يأتيها برجل ممن يخالط إلى حضرموت فأدخل إليها أحدهم، فكتبت معه إلى أهلها أن يحتالوا لها بقارئ يصل إليها يقريها هي وولدها ففعلوا، وقرأت هي وولدها على غاية من الإختفاء، ثم رجع ولدها إلى الإسلام وقد كبر اسمه في النصارى وظهرت رهبانيته وزهادته، وقد جعل نفسه واعظا، وكان يزوره الكبراء، وينقل معهم إلى المدائن حتى احتال بمسيره بوالدته إلى منبسة، وكان على ذلك واعظ، وقلعة منبسة عليها والي غير صاحب المدينة في نهاية من القوة سلاحهم البنادق والمدافع، فكان هذا الشريف الواعظ يخالط صاحب المدينة ويتجنب صاحب القلعة، ويظهر البعد عنه وعنها وعن أهل الدنيا، وعظم ذكره، فراسله صاحب القلعة أن يخالطه كما خالط صاحب المدينة وغيره، فاعتذر إليه، وبعد عنه، ولما كثر من صاحب القلعة المطالبة فقال لأجل وجوب حقك وسؤالك أصل معك الباب فقط، فنزل صاحب القلعة وعيون أصحابه وعليهم السلاح والزينة، وكان هذا الشريف يلحق به كثيرون لملازمته وللتبرك به، فقرأ لهم ما قرأ من المواعظ ورغبهم في حديثه فأحبوه واعتقدوا فيه كغيرهم، ولم يزل يتردد إلى ذلك الموضع لاستدعائهم وقد عرف[57/ب] بقية من المسلمين وممن كان مع أبيه وغيرهم ممن يقدم الإحسان إليهم، فدعاهم إلى الإسلام وأن يثور بهم على الكفار، ويستنقذهم مما هم فيه من الإهانة والصغار، فعاقدهم وكان فاتكا شجاعا.

Bogga 286