42

Tuhfat al-Habib ala Sharh al-Khatib

تحفة الحبيب على شرح الخطيب

Baare

مكتب البحوث والدراسات

Daabacaha

دار الفكر

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1415 AH

Goobta Daabacaadda

بيروت

وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ. وَمِنْ الْأَخْبَارِ قَوْلُهُ ﷺ: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ ﷺ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» رَوَاهُ سَهْلٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُهُ ﷺ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ ــ [حاشية البجيرمي] فِي اقْتِبَاسِهِ) أَيْ اسْتِفَادَتِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اقْتَبَسْت مِنْهُ عِلْمًا اسْتَفَدْته وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ نُورٌ. قَوْلُهُ: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ نَفْيٌ لِاسْتِوَاءِ الْفَرِيقَيْنِ أَيْ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ أَوْ الْمُطِيعِ وَالْعَاصِي بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ بَعْدَ نَفْيِهِ بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِاَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ فِيمَا سَبَقَ بِالْقَانِتِ عَلَى وَجْهٍ أَبْلَغَ أَيْ نَفْيًا كَائِنًا عَلَى طَرِيقٍ أَبْلَغَ لِلتَّصْرِيحِ بِالِاسْتِوَاءِ بَعْدَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِالْهَمْزَةِ لِمَزِيدِ فَضْلِ الْعِلْمِ اهـ. قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] أَيْ لَا يَخَافُ مِنْ اللَّهِ خَوْفًا كَامِلًا إلَّا الْعُلَمَاءُ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: عَلَى قَدْرِ عِلْمِ الْمَرْءِ يَعْظُمُ خَوْفُهُ ... فَلَا عَالِمَ إلَّا مِنْ اللَّهِ خَائِفُ وَآمِنٌ مَكْرَ اللَّهِ بِاَللَّهِ جَاهِلُ ... وَخَائِفٌ مَكْرَ اللَّهِ بِاَللَّهِ عَارِفُ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَشَدُّ النَّاسِ خَشْيَةً أَعْلَمُهُمْ بِاَللَّهِ، وَفِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ بِرَفْعِ الِاسْمِ الْكَرِيمِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَعْظَمُ فِي مَدْحِهِمْ وَأَقْوَى دَلِيلًا عَلَى رَفْعِ مَرْتَبَتِهِمْ، لَكِنَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي يَجِبُ تَأْوِيلُهُ فَتُؤَوَّلُ الْخَشْيَةُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِالْإِجْلَالِ لِلُزُومِهِ لَهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا) أَيْ عَظِيمًا كَثِيرًا فَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ فَلَا يُنَافِي إرَادَةَ الْخَيْرِ بِغَيْرِ الْفَقِيهِ، وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى طَالِبِ الْفِقْهِ بِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَهُ وَاصْطَفَاهُ، لِأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ الْخَيْرَ بِالْإِنْسَانِ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: (يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) وَتَمَامُهُ: وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاَللَّهُ مُعْطٍ وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَيْ قَاسِمٌ بَيْنَكُمْ بِتَبْلِيغِ الْوَحْيِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَاَللَّهُ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَهْمِ مَا أَرَادَ فَالتَّفَاوُتُ فِيهِ مِنْهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ، وَأَنْ وَصِلَتُهَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٌ، وَخَيْرٌ خَبَرٌ أَيْ وَاَللَّهِ لَهِدَايَةُ اللَّهِ بِك رَجُلًا مَثَلًا، فَذِكْرُهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا لِإِخْرَاجِ الْمَرْأَةِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّ الشَّيْءِ أَيْ هِدَايَتُهُ بِتَعَلُّمِهِ مَسْأَلَةً فِي دِينِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَشَرَفِ مَنْزِلَةِ أَهْلِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا اهْتَدَى بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ يَهْتَدِي بِهِ كُلَّ يَوْمٍ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ؟ قَوْلُهُ: (مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالنَّعَمِ الْحُمْرِ بِسُكُونِ الْمِيمِ جَمْعُ أَحْمَرَ وَبِضَمِّهَا جَمْعُ حِمَارٍ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فِعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرَ وَحُمْرَا وَقَالَ أَيْضًا: وَفِعْلٌ لِاسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدٍّ ... قَدْ زِيدَ قَبْلَ لَامٍ إعْلَالًا فَقَدْ وَخَصَّ الْحُمْرَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ: (إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ) عِبَارَةُ م ر وَابْنِ حَجَرٍ: إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ إلَخْ. فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ: (انْقَطَعَ عَمَلُهُ) أَيْ ثَوَابُهُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَقَدْ انْقَطَعَ بِفَرَاغِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) لَا مَفْهُومَ لَهُ. قَوْلُهُ: (يُنْتَفَعُ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ فَيَشْمَلُ التَّعْلِيمَ وَالتَّعَلُّمَ وَالتَّأْلِيفَ وَالْكِتَابَةَ وَمُقَابَلَةَ الْكُتُبِ لِتَصْحِيحِهَا ق ل. وَذَكَرَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيّ أَنَّ التَّصْنِيفَ فِي ذَلِكَ أَقْوَى لِطُولِ بَقَائِهِ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّالِحِ الْمُسْلِمُ وَلَوْ فَاسِقًا. قَوْلُهُ: (يَدْعُو لَهُ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ، فَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي

1 / 46