لا يكشف عن الجهل في حقه تعالى، الا حيث كان لا يعلم إلا أحدهما (1) ثم أن هذا الدليل الذي زعم الرازي أنه لا جواب عنه يلزم منه أن يكون الباري تعالى غير مختار في رزقنا، ولا في خلق السماوات والأرض وما بينهما، لأنه قد سبق في علمه أنه يخلق ويرزق ، فلا بد له من ذلك، وإلا انقلب علمه جهلا، فيلزم عدم اختياره في شئ من أفعاله، وقد اعترف بهذا الالزام ابن الحاجب، وسعد الدين وغيرهما من الجبرة، وأقروا بأنه يلزم منه الكفر.
قال الرازي حكاية عن العدلية بعد كلام معناه ما سبق فيلزم ان لا يكون الله سبحانه قادرا على شئ أصلا، وذلك كفر بالاتفاق، فثبت أن العلم بعدم الشئ لا يمنع من امكان وجوه، ثم قال عنهم : ولو كان الخبر والعلم مانعا لما كان العبد قادرا على شئ أصلا ، لان الذي علم الله وقوعه كان واجب الوقوع، والواجب لا قدرة عليه، والذي علم عدمه كان ممتنع الوقوع، والممتنع لا قدرة عليه ، فوجب ألا يكون العبد قادرا على شئ، فكانت حركاته وسكناته جارية مجرى حركات الجمادات، والحركات الاضطرارية للحيوانات، لكنا بالبديهة نعلم فساد ذلك، فإن من رمي انسانا بالآجرة حتى شجه فإنا نذم الرامي، ولا نذم الآجرة، وندرك بالبديهة تفرقة بين ما إذا سقطت الآجرة عليه وبين ما إذا لكمه انسان بالاختيار، ولذلك فإن العقلاء ببداهة عقولهم يدركون الفرق بين مدح المحسن، وذم المسئ، ويلتمسون ويأمرون، ويعاتبون ويقولون
Bogga 17