ويوم من الأيام كنت قاعد هيك مقبعة معي وزعلان من هالمصيبة اللي صارت لي، إلا ووصل شب من عندنا من الضيعة وسلم علي، وقال: أنا جايي تا خبرك عن عمتك، ساخنة ومنضامة ولازم تروح حالا حالا. قلت اله: ما جبتوا لها حكيم؟ قال: عندها جمعية حكما: أم عبدو، وأم شعيا، وأم لبة العورا، وأم روكز. لمن سمعت هيك قلت: لحاق يا صبي أحسن يموتوا لك ياها، مالك غيرها. وحالا ركبت ومشيت من غير ما شافني حدا وبوجي على كفر شلح، ما لحقت وصلت لقرب الضيعة إلا وأسمع الجرس بيدق دقة حزن، قلت: مأكد عمتي ماتت، قتلوها هالعجايز النحس بحكمتهن. الخلاصة قول وصلت عالبيت وقامت الصرخة بوجي، دخلت لقيتها ملقحة والنسوان حواليها، صرت أنا خبط حالي وأطلع من هون وهون تا شوف شي عجوز أخبطها شي نكعة عا نيعها، ما لقيت ولا واحدة، تاري خافوا وهربوا بس عرفوا إني جيت. قلت: شو جرى لها؟ بعلمي كانت طيبة. قالوا: ماتت من الزعل على حبستك. فحشت لك تفحيشة ساعتها، يا لطيف.
الفصل الخامس والعشرون
ندب النسوان وفنيانوس لأم سكحا ودفن
المرحومة
واللي زادني بكي وعياط ندب النسوان، كان في هوني واحدة صوتها طيب وبلشت: وينك رايحة يا لابسة الموضة، ووينك رايحة واليوم ممروضة! شوية إجت الرجال وطلعوني لبرا، واجتمعت أهل الضيعة تا تاخد بخاطري، واسطفت هالعالم وقوقزوا عالحجار قدام البيت، والعادة كل ساعتين تلاتة بيقوموا أهل الميت بيعددوه، قمت أنا وصرت أتلوى، وقام كام واحد معي، ووصلت لقدام عمتي وبلشت: يا أم سكحة العت ويا موتة الست ويا عمتي! يا دلي من بعدك يا عمتي! مين بده يجلي لي الصحون من بعدك يا روحي؟! مين بعد بيشيل لي الوتاب من بعدك يا خيتي؟! مين بعد بده يسد لي القن من بعدك يا عمتي؟! والخلاصة من هالتعديد المهم، قول أخدوني لبرا مهدييني على الجنبين، وأنا أرتمي كلني سوا على هالناس وهن يسندوني تا بكيت الصخور.
ما إجا العصر إلا واستعدوا الناس للدفن، وجات الخوارنة والقسس، وجابوا النعش وحطوها فيه ومشينا، وإجوا الشباب حملوها عالراحات، ما مشيوا شوي إلا وصاروا يطحلوا: عمي! ليش تقيل النعش؟ أم سكحا موش ناصحة! يمشوا شوي ويقصروا، احتارت العالم بها الأمر! قول بعد الجهد الجهيد وصلنا عالمقبرة، نزلوا النعش وفتحوه، وكانوا يلاقوا أربع خمس حجار من الجحار الكبار اللي ما بينقص الواحد عن العشرين رطل، مين حط الحجار، ما مين؟ صارت الشباب تشقع وتسب مدري أيا ابن قديسة عمل هالعملة، ولولا ما تدخل الخوارنة بالنص كانت علقت منيح. الله يرحمها، بحياتها وبمماتها بتعلق الخبيط. قول يا أفندم دفنوها ورجع كل من عا بيته، وإجوا الخوارنة شالوا البخور، وحياتك الباقية! وانتهت الحوادث بموتتها؛ لإن الناس دخلت بيني وبين بو موسى ونهوا الخلاف اللي بيننا. - صح الباقي، شو ورتت لك المرحومة؟ - الله لا يكسر حدا. ورتت بابوج جديد بعده ما تغبر، وكارة اللي بيخبزوا فيها عالتنور، ومسبحة، وطواق، ومحدلة مار نهرا، وكم قرش حاطتهن عند شيخ الضيعة، قال منشان طلعتها، وبس. - عيش بهالنعمة يا فنيانوس! - أخيره عدنا رجعنا عا بتدين، وأظهرنا للحكومة الصلحة، صاروا يمحكوا فينا، مابتدين، وأظهرنا للحكومة بدهن ينهوا. ليش؟ في من وراها فت، وما كفاهن اللي حطيناه؟ - يعني حطيت كتير؟
الفصل السادس والعشرون
رأي في البرطيل
- والله يا شيخ صرفت أكتر من 75 ليرة إنكليز، وياريت خلصنا منها بعد. عمرك سمعت ولا شفت في الدنيا أنه منشان توتة أتخصر أنا وحدي - بقطع النظر عن خسارة بو موسى - عشرة آلاف قرش؟ وكمان الدعوى بعدها معلقة بالحكومة، والله بيعرف قديش بعد بيلحقها من المصاريف والمشاوير، واللي كان يشيل ديني المشاوير أكتر من الكل. أنا ما شفت متل هالنظام يا شيخ! منشان دعوى صغيرة ياخدونا عالمركز وعابتدين، وبيكون الواحد ساكن بآخر ما عمر الله. بدي أعرف ليش عاملين مديريات طالما ما بيقدروا ينهوا الدعاوي اللي ما بتزيد عن تلات مية قرش؟ عاملينها بس منشان كتر المصاريف عالخزينة. - تقبر هاك المصاريف يا فنيانوس! ماهية المدير تلات مية قرش بالشهر، ونحن الواحد منا بيحط عا قعدته خمسين ألف ريش ومية ألف ريش كأنه ما حط شي. شو بتقول لي مصاريف؟ هو ليش بتكتر الرشوة والبرطيل؟ لأن الماهيات ما بتكفي؛ لذلك الرشوة موجودة بكترة، حتى إنك بتجد كل الوظايف في بلادنا بتنالها الناس بالبرطيل، وهذا هو المرض الوحيد اللي بيقوض أركان الممالك ويثل العروش ويخرب البيوت وبيحرق ديبها. ومتل ما قلت أنت إن البرطيل ماشي من العسكر لأكبرها متوظف، يعني ددي أخدها من جدي، ومهما كان الواحد عظيم وشايف نفسه وما بيتحاكى إلا بعرض حال، بتلاقيه ذليل عند قضاء مصلحته، فخفخة بالخارج وذل بالداخل، وعلى هالطريقة ماشية الأمور في بلادنا، والله أعلم بعاقبة الأمور. ولكن ما بتخلى الدنيا من الصلاح، عندك كتيرين في بلادنا عفاف النفوس، رجال من صحيح، ولكن أيديهم مغلولة. الخلاصة، شو عدت عملت بعمار البيت؟ - شو بدي أعمل؟ تقبر اللي هو لهن! تركته من غير سقف ومن غير قن ومن غير يوك، وأنا بقيت من غير زاجة وحطيت كل مصرياتي اللي طلع مسيني وأنا جمعهن، ومتل مانك شايف هلق رجعت إيد لخلف وإيد لقدام. - أنا ما قلت لك يا مقصوف العمر لا تروح! لا تروح، بتندم؟ ما كنت تسمع مني. أنا بعرف حالة بلادنا، وبعرف إن الواحد منا ما بقى يقدر يسكن هونيك، تعودنا عا حركة الشغل والحرية، مستحيل الواحد يقدر يعيش بعد هونيك إلا إذا تغيرت الأحوال. - إي والله يا خيي ابو الاجران، لو كنت سمعت منك ما كان صار لي كل هالمصايب. نصيبنا هيك. فهدا اللي جرى لي، وهي حكايتي حكيتها وبعبك حطيتها. هلق جا دورك، بدك تخبرني شو صار بغيبتي في البرازيل حرف بحرف. - شو بدي خبرك؟ البنانا رخصت كتير وصارت كل عشرة بقرش، والبتنجان كتر، والبرغل متلي الدنيا. والسلام عليك. - هد اللي عمال أسألك عنه؟
الفصل السابع والعشرون
Bog aan la aqoon