Tocqueville: Hordhac Kooban

Mustafa Muhammad Fuad d. 1450 AH
7

Tocqueville: Hordhac Kooban

توكفيل: مقدمة قصيرة جدا

Noocyada

لكن كان تعليم توكفيل يعتمد إلى حد كبير على قراءاته الشخصية لأعمال مؤرخي عصره وكلاسيكيات الفلسفة السياسية، والكتاب المفضلون لديه كانوا فرنسيين، وهم: باسكال، ومونتسكيو، وروسو، الذين قال عنهم في عام 1836 إنهم هم: «الرجال الثلاثة الذين أقضي معهم بعض الوقت كل يوم.» لكن بالإضافة إلى الكتاب الذين كان يقرأ لهم، كان لديه أصدقاء يراسلهم كثيرا، وكان يعلم نفسه بتعليمهم، ومن بين هؤلاء الباحث الأدبي جيه جيه أمبير، والمنظر الاجتماعي آرثر دي جوبينو، والاقتصادي الإنجليزي ناسو سنيور، والسياسي بيير-بول روييه-كولار، وأصدقاؤه المقربون: فرانسيسك دي كورسيل، ومدام صوفي سويتشين، وأدولف دي سيركور، وأوجين ستوفل، وصديقه منذ الطفولة لوي دي كيرجورلي.

من أهم صداقاته كانت صداقته مع جوستاف دي بومون؛ فقد أرسل توكفيل لجوستاف ثلاثة مجلدات من الخطابات، واصطحبه في رحلته لأمريكا التي استمرت لمدة تسعة أشهر فيما بين عامي 1831 و1832، قبل تأليفه لكتاب «الديمقراطية في أمريكا». وقد درس توكفيل وبومون معا القانون وعملا قاضيين في نفس المحكمة، وحضرا المحاضرات التي كان يلقيها جيزو قبل رحلتهما الشهيرة، وسافرا لأمريكا ليتعرفا على «سمات الجمهورية العظيمة» - وذلك على حد قول توكفيل في أحد خطاباته - وهما يحملان فكرة غير واضحة المعالم عن القيام بمشروع مشترك. إن خطتهما الأكثر تحديدا كانت تأليف كتاب عن إصلاح نظام السجون في أمريكا، وبالرغم من أن هذا لم يكن سوى «ذريعة» للسفر إلى هناك (كما أسر توكفيل لكيرجورلي)، فإنهما ألفا كتابا عن هذا الموضوع بعنوان «عن نظام العقوبات في الولايات المتحدة وتطبيقه في فرنسا» بعد عام من عودتهما من أمريكا، أكدا فيه على ضرورة الإصلاح، لكنهما - وعلى نحو مميز لليبرالية توكفيل - هاجما الآمال المبالغ فيها لدعاة الإصلاح.

طاف توكفيل وبومون معظم أنحاء أمريكا بحدودها المعروفة حينذاك، وبدأ الاثنان جولتهما من نيويورك، ثم سافرا باتجاه الشمال عبر بافلو، مرورا بالبحيرات العظمى، وصولا إلى ميشيجان وويسكونسن حيث توجد الحدود التي تفصل بين الطبيعة والحضارة، وبينما كان توكفيل هناك يكتب «على ظهر سفينة بخارية»، كتب تأملات موجزة ولكن رائعة، عن هدوء الطبيعة وحديث الحضارة المختلف، مقارنا بين الأمريكيين من جهة والإنجليز والفرنسيين من جهة أخرى، ومعتبرا الهنود بشرا غير متحضرين ومعادين للحضارة. وقد كان نتاج تلك التأملات كتابا بعنوان «أسبوعان في البرية» (ألفه في عام 1831 حين كان في السادسة والعشرين من عمره)، وكان يسعى لنشره، لكنه لم ينشر حتى وفاته.

كتب توكفيل وبومون يومياتهما أثناء الرحلة، وبالرغم من أن يوميات توكفيل نشرت في كتاب بعنوان «رحلة إلى أمريكا»، فقد حوى الكتاب ملاحظات غير ذات صلة، مخصصة لأعماله اللاحقة، ولم يكن منظما مثل كتاب «أسبوعان في البرية». وفي مرحلة ما أثناء الرحلة، أصبح المشروع المشترك بين توكفيل وبومون لإنتاج كتاب عن الجمهورية العظيمة في أمريكا مشروعا خاصا بتوكفيل وحده، وهو ما لنا أن نخمن أنه كان قصده طوال الوقت. وبعد أن تجاوز توكفيل وبوبون الحدود الأمريكية التي كانا يعتبرانها مؤقتة فقط، وأنها لن تستقر حتى تصل إلى ساحل المحيط الهادئ؛ ذهبا إلى كندا، ثم جنوبا إلى بوسطن وفيلادلفيا وبلاتيمور، ثم غربا إلى بيتسبرج، ثم جنوبا إلى ناشفيل وممفيس ونيو أورليانز، ثم سافرا عبر ولاية جورجيا وولايتي نورث وساوث كارولينا إلى واشنطن، وأخيرا إلى نيويورك، التي عادا منها إلى فرنسا. كانا يتنقلان باستخدام السفن البخارية، ويمكثان في أكواخ خشبية، وقد أجريا مقابلة قصيرة مع الرئيس الأمريكي أندرو جاكسون، كما تحدثا باستفاضة مع العديد من الأمريكيين، سواء أكانوا شخصيات بارزة أم أشخاصا عاديين. وتمثل منهج توكفيل في البحث المسحي في طرح أسئلة تتناسب مع الشخص الذي يتم سؤاله، ثم الاستماع لما يقوله ومحاورته بحثا عن حقائق وآراء، بدلا من تصنيف ردود الفعل على المجموعة ذاتها من الأسئلة، كما يفعل أي عالم اجتماع معاصر.

نشر كتاب توكفيل «الديمقراطية في أمريكا» في جزأين، يفصل بين نشر كل منهما خمس سنوات، وذلك في عامي 1835 و1840. حقق الجزء الأول الذي تحدث في معظمه عن أمريكا ومميزاتها وعيوبها، نجاحا باهرا، لكن الجزء الثاني، بتضمنه تحليلا منظما وهواجسه بشأن مستقبل الديمقراطية، لم يقابل بالقدر المناسب من الترحيب. جلب الجزء الأول الشهرة والصيت لتوكفيل؛ حيث أثنى عليه كبار الكتاب في فرنسا مثل شاتوبريان وسانت -بوف. وفي عام 1838، عين عضوا في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، وفي عام 1841، وهو في سن السادسة والثلاثين، انتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية حيث مارس حياته الاجتماعية، خاصة في سنوات حكم لويس نابليون بعد أن خرج توكفيل من الحياة السياسية. ألقى توكفيل محاضرة عن علم السياسة في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية في عام 1852، مميزا هذا العلم عن «فن الحكم»؛ لأنه يركز على منطق الأفكار بدلا من الجوانب المعتادة الأساسية الضرورية للحكم. لكن علم السياسة الخاص بتوكفيل اعتمد في منطقه على تلك الجوانب المعتادة بعد تنقيحها، بدلا من معارضتها وتفنيدها كما كان يفعل منظرو الليبرالية.

لم تكن أمريكا هي الوجهة الوحيدة التي قصدها توكفيل؛ فقد سافر إلى صقلية في عام 1827، وهي الرحلة التي نتج عنها كتابه الأول. وبعد رحلته لأمريكا، سافر إلى إنجلترا في عام 1833، ثم إلى إنجلترا وأيرلندا في عام 1835؛ متلهفا إلى رصد تطور الديمقراطية في أكثر الدول ليبرالية في أوروبا، ومهتما بالإدارة الحكومية اللامركزية التي وجدها في أمريكا، وراغبا في دراسة الفارق بين الأرستقراطية الإنجليزية والأرستقراطية الفرنسية. وقد سافر أيضا إلى سويسرا في عام 1836، وإلى الجزائر في عامي 1841 و1846، وقد كتب تقارير عن الفقر («تقرير عن الإملاق»، 1835) والعبودية والمستعمرات. وفي عام 1850، بعد أن ترك السياسة، انكب على تأليف كتاب عن الثورة الفرنسية التي طالما تأملها، وهو المشروع الذي مات قبل أن يكمله، غير أنه نشر الجزء الأول منه، الذي كان بعنوان «النظام القديم والثورة»، وذلك في عام 1856. كان توكفيل، بحسب قوله في خطاب لكيرجورلي، يسعى لأن يكون هذا الكتاب «عملا عظيما» يعد «مزيجا، إن أردنا الدقة، بين التاريخ والتاريخ الفلسفي»، مما يقدم تقييما عاما ل «مجتمعاتنا الحديثة» ومستقبلها المحتمل. وقد أعلن أن «قضيته الأساسية هي قضية الحرية والكرامة الإنسانية»، وبالرغم من أنه ترك السياسة، فقد بقي فيها بكتاباته، ومن خلال دراسته للتاريخ، درس للآخرين الفلسفة.

الفصل الثاني

ثناء توكفيل على الديمقراطية

لم يبدأ توكفيل بالثناء على الديمقراطية، ولم يبالغ في الثناء عليها مطلقا؛ بل أثنى عليها فقط وهو يصفها وهي قيد التطبيق. بدأ توكفيل كتابه «الديمقراطية في أمريكا» بقوله إن الديمقراطية حقيقة، «حقيقة إلهية»، وهكذا أبعد نفسه عن مواقف المروجين والمعارضين لها (حيث كان لا يزال في عصره معارضون لها). ثم ذكر أن الديمقراطية كانت أسهمها في تصاعد في كل مكان، وقد وصلت لقمة نضجها في أمريكا، ولم تكن بحاجة إلى من يروج لها، ولا يمكن كذلك معارضتها. كان توكفيل يعتقد أن المروجين والمعارضين للديمقراطية ليسوا على صواب، وخاصة المروجين لأنهم أكثر انسجاما مع العهود الديمقراطية؛ ومن ثم يكون رأيهم أكثر جاذبية من رأي الرجعيين؛ فالديمقراطية يجب أولا أن تحلل وتقيم نقاط القوة والضعف فيها، ثم يمكن بعد ذلك مدحها على نحو مفيد بهدف التأكيد على رؤية المروجين لها ومواجهة أفكار المعترضين عليها. قيم توكفيل الديمقراطية بدلا من أن يفترض أنها أسلوب حكم جيد، أو نظام الحكم الوحيد المتكامل.

صورة الديمقراطية

Bog aan la aqoon