28

Tocqueville: Hordhac Kooban

توكفيل: مقدمة قصيرة جدا

Noocyada

أعطى توكفيل مثالا جوهريا على فشل نصحه، وعلى الرغم من أنه كان بالكاد مناصرا للنظام الملكي، فإنه كان يعتقد أنه من الأفضل لفرنسا أن تبقي على نظام ملكي دستوري بمجلس تشريعي منتخب، من أن تخاطر بإنشاء جمهورية برئيس منتخب؛ الأمر الذي سيمهد الطريق لوجود خليفة لنابليون، وهو الشيء الذي حدث بالفعل، وقد تم إسقاط النظام الملكي من خلال هجوم عنيف على المجلس التشريعي (مجلس النواب) من قبل حشد مسلح من الغوغاء في 24 فبراير من عام 1848. أعطى هذا الحدث شرعية لحق أي حشد في باريس في القيام بأعمال عنف باسم الشعب الفرنسي، واستخدام العنف الثوري ضد الدستور، وهذا ما دفع لاحقا الطبقة الوسطى والفلاحين - كرد فعل لهذا - لدعم لويس نابليون من أجل حماية أملاكهم من هذا التهديد.

شكل 6-2: حشد من الناس يقتحمون حصنا أثناء ثورة عام 1848 في فرنسا. تنبأ توكفيل بتلك الثورة وعارضها أيضا، لكنه لم ينجح في منعها.

كان توكفيل، الذي كان عضوا في مجلس النواب، هناك في ذلك اليوم، وحكى القصة في كتابه «ذكريات»؛ قائلا إنه مع احتشاد جمع من الناس، بحث حوله عن شخص يمكن أن يحاول تهدئة هذا الجمع، ووقع اختياره على ألفونس دي لامارتين، الشاعر والمؤرخ، الذي كان في تلك اللحظة أشهر سياسي في المجلس. ذهب توكفيل إليه وهمس في أذنه، وقال له إنهم سيهلكون إذا لم يخطب في الناس، لكن لامارتين رفض؛ فلم يكن ليفعل شيئا يمكن أن ينقذ النظام الملكي أو يضر بشعبيته، لكنه تحدث لاحقا لكن بعد فوات الأوان، وكانت فرصة إنهاء الأزمة قد ضاعت؛ فقد وصلت مجموعة صغيرة من أفراد الحرس الوطني، وذلك بحسب قول توكفيل، متأخرة أيضا نصف ساعة. كان توكفيل في المكان الذي كان يجب أن يكون فيه، لكن لم يؤخذ بنصيحته، والنتيجة التي ترتبت على ما حدث «غيرت مصير فرنسا». ربما تكون هذه القصة مختلقة على نحو ما، لكن لغرض معين؛ فهي تكشف القيود على النصائح الخاصة بعلماء السياسة، ومحاولات الإصلاح الممكنة وفضائل الحرية السياسية. في كتابي توكفيل الآخرين المنشورين، أثنى على إنجازات السياسة في أمريكا واستنكر عدم حدوثها في فرنسا، لكن العمل الذي لم ينشر في حياته انتهى بعبارة ساخرة تقول إنه بعد تحقيق نجاحين صعبين في مجال الشئون الخارجية، سقطت الوزارة التي كان وزيرا بها. في هذا العمل، كشف توكفيل عن القيود المفروضة على السياسة وأهمية الحرية السياسة، لكن بعد فترة طويلة.

الاشتراكية

لم يترك توكفيل الحديث عن الديمقراطية في كتابه «ذكريات»، وذكر أنه بكتابته هذا العمل كان يريد أن «يحتفظ بحرية التصوير (الرسم) دون تملق»، وحيث إنه لم يثن على عدالة الديمقراطية في هذا العمل كما فعل في كتابه «الديمقراطية في أمريكا»، فربما نستنتج أنه كان يتملق الديمقراطية في هذا العمل. وعندما كشف عن الأسلوب المنمق التافه للحوار السياسي في أمريكا، قارنه بقوة «خطيب عظيم يناقش أمورا عظيمة في مجلس ديمقراطي»، لكنه اعترف في هذا العمل قائلا:

أعرف دائما أن الأشخاص العاديين، وكذلك الأشخاص ذوو المكانة، لهم أنف وفم وعينان، لكنني لم أستطع قط أن أثبت في ذاكرتي الشكل المحدد لتلك الملامح لكل واحد منهم؛ فأنا أسأل باستمرار عن أسماء هؤلاء الأشخاص غير المعروفين لي، الذين أراهم كل يوم وأنساهم باستمرار ... أنا أحترمهم لأنهم يقودون العالم، لكنهم يشعرونني بملل شديد.

هذا ليس موقف سياسي راغب في إرضاء الآخرين أو قادر على ذلك؛ فوراء هذا الازدراء غير المقصود يكمن حكم توكفيل المتمثل في أن «الاشتراكية ستظل الطابع الأساسي وأكثر الذكريات المخيفة» لثورة عام 1848؛ فلفترة طويلة، كان الناس يكتسبون قوة، وكان من المحتم، إن عاجلا أو آجلا، أنهم سيدخلون في مواجهة مع امتياز الملكية باعتباره العائق الأساسي أمام المساواة. سيبدو أن الاشتراكية تمثل المرحلة التالية للثورة الديمقراطية التي جعلها توكفيل الموضوع الأساسي في كتابه «الديمقراطية في أمريكا»؛ فتقييمه لثورة عام 1848 على أنها اشتراكية، يتعارض على نحو ملحوظ مع حكم كارل ماركس في كتيبه «الانقلاب الثامن عشر من برومير للويس نابليون» (1852)؛ حيث أدان ماركس الثورة باعتبارها مهزلة برجوازية رخيصة. كان ماركس مجبرا على تضمين خيبة أمله في نظريته عن التاريخ، وهو الأمر الذي فعله بملاحظة أن التاريخ عندما يكرر نفسه (كما قال مرجعيته هيجل)، يكون الأمر بمنزلة مهزلة بعد مأساة. لقد كانت المأساة هي الثورة الفرنسية التي قامت في عام 1789، ولم يقصد ماركس بالمأساة عهد الإرهاب في عام 1793، وإنما أحداث ثيرميدور التي كانت رد فعل لها. أتبع توكفيل تقييمه بتأمل معاكس عن الازدراء العام للاشتراكية في عام 1848، قائلا إنها قد تعود ثانية لأن المستقبل منفتح أكثر مما يتخيل الناس الذين يعيشون في كل مجتمع. لقد كان بالطبع يعتبر الملكية، خاصة الملكية البرجوازية العادية، ضرورية للحرية السياسية، في حين كان ماركس ضدها، فقط لأنها كانت تدعم وهم الحرية السياسية.

إن الاشتراكية بالنسبة إلى توكفيل مزيج من شغف لدى الناس وأوهام لدى مفكرين، لديهم «معتقدات بارعة وخاطئة»، وسيهاجم توكفيل جيلا لاحقا منهم في كتابه «النظام القديم والثورة». تتمثل الروح الأدبية في السياسة في تحديد ما هو بارع وجديد أكثر مما هو حقيقي، وتفضيل الشيء الجذاب على الشيء المفيد، وإبداء التأثر بالأشخاص الذين يتصرفون ويتحدثون على نحو جيد، بغض النظر عن عواقب تصرفاتهم، واتخاذ القرار على أساس الانطباعات وليس الأسباب؛ كل الأمور التي وجدها في صديقه عالم الأدب أمبير، وربما كان سيراها في شخصية ماركس الأكثر فظاظة.

إن أوهام المعتقدات، السخيفة في حد ذاتها، ضارة في الواقع العملي، غير أن توكفيل كان لديه إعجاب كبير بهؤلاء الذين قد يثورون أكثر من منظري الثورة غير المكترثين؛ فبجانب الشخصيات العديدة التي «رسمها» في كتابه «ذكريات»، قدم لوحة من بيته رسم فيها حارس بيته (لم يذكر اسمه) وخادمه أوجين. كان حارس بيته جنديا سابقا ذا سمعة سيئة في المنطقة، وكان شخصا مخبولا صغير الحجم، لا فائدة منه، وكان الوقت الذي لا يضرب فيه زوجته يقضيه في الحانة؛ باختصار، كان اشتراكي المولد أو الطبع. وفي أثناء ثورة يونيو 1848، أخذ هذا الرجل ذات يوم يتجول في المنطقة وبيده سكين مهددا أن يقتل بها توكفيل عندما يراه، لكن عندما عاد توكفيل في المساء، لم يفعل الحارس أي شيء، وأوضح أنه لم يكن ينوي أي شيء مطلقا. أشار توكفيل إلى أن الناس في أوقات الثورات يفتخرون بجرائمهم المتخيلة تماما كما يفتخرون في الأوقات العادية بأفعالهم الخيرة المتخيلة. على الجانب الآخر، كان أوجين جنديا في الحرس الوطني، وقد استمر بهدوء شديد في أداء مهام عمله باعتباره خادما أثناء الخدمة في الجيش الذي قام بقمع الثورة؛ لم يكن أوجين فيلسوفا، لكن كانت لديه رصانة الفلاسفة؛ ولم يكن كذلك اشتراكيا، لكن لو كانت الاشتراكية انتصرت، لكان سيصبح واحدا من أتباعها بسبب اتزانه وسهولة تكيفه. إن تحقيق الاشتراكية يحتاج إلى جرأة ستختفي في كنف هذه الاشتراكية.

إن قيام ثورة عام 1848 لم يكن مقصودا من قبل المنظرين الذين دعت نظرياتهم لإصلاح لم يكن من الممكن تحقيقه إلا من خلال الثورة، ولم يتوقعها حتى أحد سوى توكفيل في بيان في أكتوبر من عام 1847، وفي خطاب تحذيري في مجلس النواب في 27 يناير من عام 1848، قبل شهر من وقوع الثورة . تعجب توكفيل قائلا: «ألا تشعرون - لنقل - بنسيم الثورة في الهواء؟» ميز توكفيل - متناولا في هذا الكتاب أحد الموضوعات التي استعرضها في كتابيه الآخرين - بين الأسباب العامة والحوادث العارضة الخاصة، ووجد ستة من كل منهما فيما يتعلق بتلك الثورة. ركز المفكرون على الأسباب العامة، خاصة تلك «المعتقدات المطلقة» التي قال إنه يبغضها، والتي وصفها بأنها «محدودة في عظمتها المزعومة، وخاطئة فيما يتعلق بحقيقتها الرياضية.» وعلى النقيض، أرجع السياسيون الذين كانوا يعيشون وسط الأحداث اليومية، كل شيء للحوادث العارضة التي كانوا جزءا منها؛ ذكر توكفيل أن العديد من الحقائق التاريخية حدث بالصدفة أو بمزيج من الأسباب الثانوية التي ترقى للصدفة، لكنه أكد أن الصدفة لا تصنع أي شيء لم يتم إعداده مسبقا. ربما يمكن توقع هذا الإعداد فيما يتعلق بالأسباب العامة، فقط من قبل عبقري مثل توكفيل، ليس بسبب تبصره الخارق، ولكن بسبب أن بصيرته المدهشة لم يشوش عليها وهم أي معتقد يختصر كل الأسباب والصدفة في نظرية خاصة به، كما لو كان هو مسئولا عن الكون. إن الروح الأدبية في السياسة هي روح مستبد، وأفضل شيء لمواجهتها هو عناد الحقيقة مدعوما بعدم قابلية الصدفة للتنبؤ.

Bog aan la aqoon