23

Tocqueville: Hordhac Kooban

توكفيل: مقدمة قصيرة جدا

Noocyada

يؤدي الارتباط الحر فيما بين المواطنين العاديين إلى نشوء أرستقراطية الديمقراطية، وهؤلاء المواطنون هم نبلاؤها؛ فهم يمارسون حريتهم، وبقيامهم بهذا يدافعون عنها ويحمونها وينشرونها، وهذا الارتباط يجعلهم يقدمون تضحيات ويقدمون على مخاطر في طموح عام لا يظهر لدى من يكونون مؤسسات هدفها تجاري بحت. وعلى الرغم من أن المواطنين العاديين لديهم ما يكسبونه من السياسة، فإن المقابل الذي سيحصلون عليه سيكون إحساسهم بالفخر أكثر منه مكاسب مادية. صحيح أن الأمريكيين برجوازيون، وقلقون ولديهم نهم لتحقيق المكاسب بحسب وصف توكفيل لهم، لكنهم عندما يتجمعون معا في جمعيات حرة، يكون لديهم قدر من النبل في أرواحهم. هذا هو رد الديمقراطية - الرائع وإن لم يكن الملائم على نحو كامل - على الاتهامات الموجهة إليها بأنها تؤدي إلى اللامبالاة والأداء العادي.

إذن فالخطر الذي يجب أن يكون الأصدقاء الحقيقيون للحرية والعظمة الإنسانية على استعداد لمنعه هو أن تضحي «السلطة الاجتماعية» بسهولة بحقوق الأفراد من أجل تحقيق هدف اجتماعي ما. قال توكفيل: «ليس هناك مبرر لظلم أي مواطن مهما بلغت درجة تهميشه.» غير أن الضمانين الأساسيين بالنسبة إلى المواطن المهمش، اللذين ذكرهما توكفيل هنا هما: حرية الصحافة، والسلطة القضائية. قال هنا عن الصحافة الحرة، متجاوزا الثناء المتوازن الذي أبداه قبل ذلك في كتابه، إنها «مهمة أكثر بكثير في الأمم الديمقراطية منها في الأمم الأخرى.» فهي تتيح للمواطنين التواصل بعضهم مع بعض؛ ومن ثم الخروج من دائرة التهميش. أما السلطة القضائية، فمهمتها الاستماع للمواطنين المهمشين عندما يشعرون بالظلم؛ هنا نرى جانبا أرستقراطيا غير محدد وغير معروف، يمارس تأثيره في ظل الديمقراطية لدعم حقوق الأفراد، ربما في مواجهة الجزأين الأكثر ديمقراطية من الحكومة، وهما: السلطتان التشريعية والتنفيذية، اللتان تمثلان «السلطة الاجتماعية».

تتمثل «المهمة الأساسية للمشرع» في العصر الديمقراطي في وضع حدود للسلطة الاجتماعية تكون «واسعة النطاق، وفي ذات الوقت واضحة وثابتة.» سيبدو «المشرع» شخصا فوق السلطة التشريعية، ربما يكون عالم سياسة مثل توكفيل نفسه. بالنسبة إلى هذا الشخص، وضع حدود للسلطة الاجتماعية يتضمن وضع دستور ويتضمن أيضا، على ما يبدو، الدفاع عن الديمقراطية ضد الأفكار التي تروج للسلطة الاجتماعية في مقابل التخلي عن حقوق الفرد. وعلى الرغم من كل إصرار توكفيل السابق على كون الحالة الاجتماعية هي السبب الأول للديمقراطية، فقد أشار في هذا المقام إلى «فكرتين متناقضتين، ومتساويتين في الخطورة في ذات الوقت»، ربما تنبعان من الحالة الاجتماعية الديمقراطية، ولكن قد تمثلان تهديدا لها. تتمثل الأولى في أن أهم ما في الديمقراطية هو ميولها اللاسلطوية؛ فمن يتبنونها يخافون من إرادتهم الحرة، «يخافون من أنفسهم». في حين تتمثل الأخرى في أن الديمقراطية تؤدي بالضرورة إلى العبودية والخضوع؛ مما يجعل المدافعين عنها ييأسون من البقاء أحرارا، ويعجبون على نحو غير معلن بالاستبداد الذي يعتقدون أنه حتمي.

في ضوء هذا الوصف المباشر للفكرتين، لم يذكر توكفيل أسماء، ولم يقدم المادة التي يمكن للقراء من خلالها تخمين تلك الأسماء. كالمعتاد، اهتم توكفيل بتبعات هاتين الفكرتين أكثر من مضمونهما. ومع ذلك، ختم كتابه العظيم بشجب هذين «الاعتقادين الخاطئين والجبانين» اللذين يعصفان بالديمقراطية التي وجدها في أمريكا. وقد أعلن، مستخدما أسلوبا يماثل أكثر أسلوب أرسطو منه أسلوب الليبراليين السابقين عليه، أن الرب لم يخلق الجنس البشري «حرا على نحو كامل، ولا عبدا على نحو تام.»

الفصل الخامس

الإدارة العقلانية

نشر العمل الرائع الثاني لتوكفيل تحت عنوان «النظام القديم والثورة» في عام 1856. في هذا العمل، تناول توكفيل النظام الملكي القديم في فرنسا، لكنه لم يصل لمرحلة الثورة الفرنسية، وبقي الكتاب غير مكتمل عندما توفي توكفيل في عام 1859. درس توكفيل النظام القديم تطلعا للثورة الفرنسية لأنه هو الذي أدى إلى قيامها. لقد تسبب هذا النظام القديم في إسقاط نفسه عبر عشرين جيلا بتأسيسه لنظام الإدارة العقلانية، الذي ربما نطلق عليه الحكم بالجدارة. الإدارة العقلانية من وجهة نظر توكفيل هي المقابل للديمقراطية، وقد رأيناها في شكل إدارة مركزية في كتابه «الديمقراطية في أمريكا».

في عمله اللاحق الذي بعنوان «النظام القديم والثورة»، أسهب توكفيل في عرض معنى وأساليب الحكومة الكبيرة البيروقراطية، وأشار إلى أنها ليست فقط صورة مخيفة للمستقبل، رسمها أعداء الديمقراطية، لكنها أيضا حقيقة تاريخية فعلية في فرنسا؛ فالنظام الملكي الفرنسي لم يكن ينوي إقامة نظام ديمقراطي، لكنه مع ذلك قام بما تفعله الديمقراطية؛ فمن خلال القضاء التدريجي على النظام الإقطاعي الذي حكم فيه النبلاء المناطق التي كانت تحت سيطرتهم، ساوى الملوك الفرنسيون ورؤساء وزرائهم - من أمثال الكاردينالين مازاران وريشليو - أولا بين كل المواطنين، ثم أعادوا تنظيمهم في تسلسل هرمي جديد غير إقطاعي خاص بالدولة المركزية الحديثة، التي يعيش في ظلها اليوم الفرنسيون، وبدرجات متفاوتة كل الشعوب الديمقراطية.

كانت الثورة الديمقراطية التي حدثت في فرنسا في عام 1789 نتاجا مهما غير مقصود للسياسة التي اتبعها الملوك الفرنسيون وتراخي طبقة النبلاء الفرنسية، وهما الأمران اللذان ساهما معا في تحديث فرنسا دون قصد. كانت الديمقراطية في فرنسا ممثلة في نظام ملكي سقط نتيجة ثورة مفاجئة وعنيفة، بسبب منطق استراتيجيته الأساسية القائمة على التحالف مع الشعب ضد النبلاء. اندمجت الاستراتيجية السياسية لهذا النظام مع خطط المفكرين الخاصة بالإصلاح في نظام الإدارة العقلانية. لم يكن لدى هؤلاء المصلحين التجريديين اهتمام بالسياسة بالأساس، لكنهم فضلوا النظام الملكي باعتباره أداة للإصلاح، واستبعدوا الديمقراطية لأنها فجة وجاهلة ومعارضة للإصلاح؛ ومن ثم فإن الديمقراطية كانت نتاجا لقوتين متحالفتين - النظام الملكي والمصلحين - كانتا معارضتين للديمقراطية وتوحدتا فقط بسبب عداوتهما المشتركة للطبقة الأرستقراطية. حدث التحرك الكبير للعقل الإنساني ضد النظام الإقطاعي القائم على الامتيازات والتحيزات - الذي فسره الفيلسوف هيجل بأنه التأكيد الحاسم لسيادة فكر الإنسان - بالصدفة أو باعتباره نتيجة، لم تتوقعها كل الأطراف. تلك هي الفكرة الرائعة والمدهشة التي يقوم عليها كتاب توكفيل «النظام القديم والثورة».

كشف توكفيل لأول مرة عن فكرة كتابه في أواخر عام 1850 في خطاب إلى صديقه لوي دي كيرجورلي، وذكر أنها تتمثل في دراسة «الدراما الطويلة للثورة الفرنسية». وبعد ذلك بعامين، أشار إلى خطبته التي ألقاها في عام 1842 في الأكاديمية الفرنسية التي هاجم فيها حكم نابليون، معتبرا إياه «نموذجا مثاليا للاستبداد» في تاريخ العالم وشجب الأفكار المجردة التي قامت عليها الثورة. كانت هاتان النقطتان معا تشيران إلى ما نتج عن تلك الثورة وأصلها، وكان يعتزم البدء في بحثهما. وحتى قبل ذلك - في عام 1836 - وبينما كان يتمتع بالنجاح الذي حققه الجزء الأول من كتابه «الديمقراطية في أمريكا»، كتب مقالة عن فرنسا قبل عام 1789 وبعده، وكان قد كلفه بكتابتها جون ستيوارت ميل، ونشرت في دورية «لندن آند وستمنستر ريفيو» التي كان ميل رئيس تحريرها. وانطلاقا من تصوره للكتاب الذي وضعه في عام 1850، تحول تركيزه زمنيا على نحو عكسي من نابليون إلى أول حكومة تكونت بعد قيام الثورة إلى النظام القديم، مستقرا على تناول النظام القديم في أغسطس من عام 1853.

Bog aan la aqoon