22

Tocqueville: Hordhac Kooban

توكفيل: مقدمة قصيرة جدا

Noocyada

العظمة الإنسانية واستبداد الديمقراطية

في نهاية عمل توكفيل الرائع عن الديمقراطية، كشف النقاب عن الشر السياسي الذي تميل الديمقراطية على نحو طبيعي باتجاهه، ويمثل قمة مخاوفه فيما يتعلق بالديمقراطية، وقد عبر عنه أكثر من مرة. يتمثل هذا الشر السياسي في تسلط المساواة الديمقراطية على الحرية الديمقراطية . هنا، يطلق على هذا الشر «الاستبداد الهادئ »؛ وفي مواضع أخرى، أطلق عليه استبداد الديمقراطية أو استبداد الإدارة؛ إنه شر جذاب وليس مزعجا، ناعم وسلبي، بل ويبدو حتى في الظاهر مفيدا، وقد أصبح بالنسبة إلى توكفيل مصدر خوفه الأساسي وليس استبداد الأغلبية (المذكور في الجزء الأول من الكتاب)، الذي كان يتسم بالخشونة والتعسف كما تمثل في استعباد السود في أمريكا. وقد رأينا بذرة هذا الاستبداد الهادئ في الجزء الأول من كتابه في وصفه السلطة الغامضة للرأي العام، لكننا رأيناه في الجزء الثاني متجسدا في الدولة الديمقراطية المركزية.

الاستبداد الهادئ هذا ليس حتميا ويمكن معارضته في أي نظام ديمقراطي، وهناك قوة مضادة له في الطبيعة الإنسانية، وقد بدأ توكفيل في القسم الأخير من الكتاب نقاشا مفاده أن المساواة تعطي الإنسان «على نحو طبيعي» رغبة في وجود مؤسسات حرة، وليس في الاستبداد؛ فهي بحسب قوله تجعله مستقلا عن الآخرين؛ ومن ثم متشككا من السلطة وميالا لاتباع إرادته وليس إرادة أحد غيره. وهي تؤدي إلى نوع من العناد، وهو رغبة واعية في التحرر تذكرنا بالجزء النشط من الروح عند أفلاطون (روح الحياة)، وهذا مفيد للإصرار الديمقراطي على الحرية. ربما يبدو هذا العناد متناقضا مع ولع الأمريكيين بتكوين الجمعيات، وربما يكون كذلك بالفعل، لكن رفضهم السلبي للتعاون مع الآخرين يمكن جعله مسئولا عندما يجد الناس منفعة ومكانة في تنفيذ مهمة ما. ربما يقول أحد اليوم إن الأمريكيين بوجه عام معادون للسلطة؛ ومن ثم من الصعب حكمهم، غير أن لهم أيضا روحا مقابلة تجعلهم يستسلمون للسلطة في مواقف معينة.

بالرغم من العناد الموجود في الطبيعة الإنسانية الذي يجعل أي نظام حكم يبدو صعبا، فإن الديمقراطية تتحرك على نحو طبيعي في الاتجاه المقابل الذي يجعل نظام الحكم أكثر سهولة وقبولا. ويمثل قلق توكفيل النابع من فقدان الناس الرغبة في وجود مؤسسات حرة، موضوع القسم الأخير من كتابه «الديمقراطية في أمريكا»؛ فالإنسان الديمقراطي، كما عرفنا، يصبح بسهولة ضحية للفردية، وهو ذلك الشعور بالضعف الباعث على التراخي الذي يحول المواطنين إلى أفراد منعزلين مهتمين فقط بحياتهم الخاصة، وعندما يفعلون هذا، تكون الدولة هي الممثل المرئي والدائم الوحيد للمجتمع، ويتركون جمعياتهم لأنهم قد أصبح لديهم ميل طبيعي لجعل الدولة تهتم بكل الشئون العامة. وعندما ينظر الأفراد للمساواة فيما بينهم، يكون لديهم ميل غريزي تجاه الإحساس بالفخر والاستقلالية، لكنهم يشعرون في داخلهم بنوع من الضعف والعزلة الناتجين عن هذه الاستقلالية؛ ومن ثم يهجرون النشاط المحلي في السياسة والمجتمع، ويطيعون على نحو لا مبال «الكيان العظيم» المتمثل في الدولة (كان توكفيل قد استخدم هذا المصطلح قبل ذلك لوصف رب مذهب الواحدية).

وبينما تميل كل الشعوب الديمقراطية نحو الاعتماد على الدولة، فإن الدولة من جانبها تحب المساواة وتحاول التوسع فيها قدر إمكانها. تعود جذور الدولة الحديثة إلى النظم الملكية في أوروبا التي اتبعت سياسة التحالف مع الشعب ضد الطبقة الأرستقراطية؛ حيث تخلصت تدريجيا من أفرادها الموجودين في حكومات البارونات والنبلاء، وتحولت للإدارة المركزية للدولة. وعندما حلت الديمقراطية محل الملكية أثناء الثورة الفرنسية، ظلت الدولة كما هي واستمرت في الاستحواذ على كل السلطات لنفسها، وحل عداؤها الجديد لتكوين الجمعيات محل الغيرة الملكية من الطبقة الأرستقراطية؛ ومن ثم فإن الدولة المركزية تحب المساواة التي يحبها المواطنون الديمقراطيون وتكره تلك التي يكرهونها؛ فالطرفان يقوي كل منهما الآخر على نحو متبادل. الدولة تقوي باستمرار من سلطتها، في حين يفقد الشعب سلطاته باستمرار.

من ثم فإن الاستبداد الذي يجب أن تخشاه الأمم الديمقراطية هادئ في طبيعته؛ فعلى الرغم من أنه لا يحبط رغباتهم، فهو يرضي أسوأ ما فيهم. وأسوأ رغبة في الديمقراطية هي التخلي عن الإحساس بالفخر الذي يدعم استقلالية الفرد وضياع الحرية؛ مما يحط من شأن الشعب دون أن يعرضهم للتعذيب، ودون أن يثير معارضتهم أو حتى يشعرهم بما فقدوه. وهكذا يصبح الشعب «حشدا من الأفراد المتشابهين والمتساوين ... الذين يحصلون على المتع الصغيرة والعادية التي يملئون بها أرواحهم.» فكل منهم «منعزل ومنزو» ويقتصر وجوده «على نفسه ويعيش فقط لنفسه.» وتسيطر على الأفراد «سلطة وصائية كبيرة» ترعاهم بأسلوب ناظر المدرسة أو الوصي، وتوفر عليهم - بحسب تعبير توكفيل بسخرية شديدة - «عناء التفكير وألم العيش». وقد سبق توكفيل نيتشه في وصفهم بأنهم «قطيع من الحيوانات المستأنسة والكادحة التي تقوم الحكومة على رعايتها.»

في هذا الوضع، يشعر الشعب الديمقراطي بالحاجة إلى الحرية والحاجة إلى أن تتم قيادته، ويعزي نفسه لقيادة الآخرين له بفكرة أنه قد اختار قادته. وعند مشاركته في الانتخابات، يترك تبعيته لبعض الوقت، فقط ليعود إليها بعد ذلك. قال توكفيل على نحو فخور متحدثا عن نفسه: «هذا ليس كافيا بالنسبة إلي.»

هناك حقائق عرضية معينة، بحسب اعتراف توكفيل، يمكن أن تزيد أو تقلل من الاتجاه نحو مركزية الإدارة؛ على سبيل المثال، عدم حدوث ثورة ديمقراطية في أمريكا. ولأن أمريكا لم تكن مرغمة على القيام بثورة ديمقراطية ضد نظام أرستقراطي - نظرا لأن الأمريكيين ولدوا متساوين، ولم يتعين عليهم أن يسعوا كي يصبحوا كذلك - فقد كانت لديها حرية أكبر في استعارة بعض الأمور من النظام الأرستقراطي حتى تدعم حريتها. وقرب نهاية كتابه، ذكر توكفيل أن هناك ثلاث سمات للمساواة تحتاج الشعوب الديمقراطية أن تحترس منها؛ تتمثل الأولى في فائدة النظم التي نوقشت بالفعل، والتي لا تعيها بسهولة الشعوب الديمقراطية وتشعر بازدراء تجاهها. هناك غريزة ديمقراطية ثانية، وهي أيضا طبيعية جدا، ويعتقد بوجه عام أنها خطيرة جدا، وتتمثل في احتقار الحقوق الفردية والتضحية بها من أجل مصالح وقوة المجتمع. قال توكفيل متحدثا بلسان الليبرالي إن «الأصدقاء الحقيقيين للحرية والعظمة الإنسانية» يجب أن يكونوا منتبهين دائما حتى يضمنوا عدم التضحية السهلة بالحقوق الفردية من أجل الأهداف العامة للمجتمع؛ فحدوث هذا يضر بالفعل بالمجتمع لأنه يتعارض مع دور المجتمع باعتباره داعما للحقوق.

أضاف توكفيل للأمرين السابقين قلقه من حدوث ثورات في المجتمعات الديمقراطية، وهو قلق ربما يكون أكثر حدة فيما يتعلق بأوروبا مقارنة بأمريكا؛ فحيث إن الديمقراطيين يحبون التغيير، يمكن أن تصبح الثورة عادة بل قد يتم أيضا تقنينها في سياسة الحكم. لم ينكر توكفيل أن الثورة أحيانا تكون أمينة ومشروعة، لكنه اعتقد أنها علاج خطير على نحو خاص في العهود الديمقراطية. تحدث قبل ذلك عن سبب ندرة الثورات العظيمة مثل الثورة ضد الديمقراطية، قائلا إنه كان يخاف جمود الطبقة الوسطى أكثر من تمردها العنيف الذي يحدث غالبا في النظم الديمقراطية. لكن الجمود في الديمقراطية يتوافق مع الاضطراب العام المتدني الناتج عن الطموح العادي والتنافس على المتع المادية.

ما علاج الفردية الديمقراطية والأداء العادي للديمقراطية واللامبالاة الديمقراطية؟ تبرز الإجابة في العبارة المقتبسة أعلاه التي تصف المخاطبين بكلام توكفيل بأنهم: «الأصدقاء الحقيقيون للحرية والعظمة الإنسانية.» يكمن الحل في تضافر الحرية والعظمة الإنسانية. في البداية، سيفكر البعض في مزج حرية الديمقراطية مع عظمة الأرستقراطية في نظام مختلط من النوع التقليدي، لكن كما هو الحال دائما في كتاب «الديمقراطية في أمريكا» وخاصة في نهايته، أصر توكفيل على أن الديمقراطية وجدت لتبقى، وأنه لا يوجد احتمال «لإعادة إنشاء مجتمع أرستقراطي»، وأن علينا أن نكون داعمين للمساواة ونتبنى نظاما ديمقراطيا غير مختلط معتبرين إياه «مبدأنا وعقيدتنا الأساسيين»؛ لذا فإنه لا يخاطب هنا الرجال العظماء، «عظمة القلة»، باعتبارهم مصدر إلهام الديمقراطية. فهو لم يذكر مؤسسي أمريكا الذين أثنى عليهم من قبل، أعضاء الحزب الفيدرالي الذي قال عنه إنه حزب أرستقراطي، بدلا من ذلك، قال إنه على الرغم من أنه لا يمكن إعادة إنتاج نظام أرستقراطي، فإنه يعتقد «أنه عندما يترابط المواطنون العاديون معا، يمكنهم أن يصبحوا أفرادا غاية في الثراء والنفوذ والقوة؛ بعبارة أخرى، يصبحون أشخاصا أرستقراطيين.»

Bog aan la aqoon