وإلا فما الحكمة في أن تؤرخ مؤسسة عربية في بلد عربي رسائلها إلى مؤسسات عربية أخرى بالأرقام بدلا من الحروف؟
قالت الأم وهي تتطلع إليه بفخر: «لكن الحق مع سيد.»
قال الأب الذي اهتز إيمانه بابنه في ضوء التحقيق المنتظر: «ماذا سنكسب من كتابة التاريخ بالحروف؟»
انحنى سيد برأسه فوق الطبق وهو يفكر في الأمر قانطا. أليست هناك موسيقى تستريح لها الأذن المدربة في جملة مثل هذه: تحريرا في الثالث من نوفمبر سنة ألف وتسعمائة وتسع وستين؟ أو .. الرابع من ديسمبر عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين؟ إن تسعين في المائة من الناس اليوم لن ينتبهوا إلى الفرق بين الجملتين الذي أحدثه استبدال كلمة «سنة» ب «عام». وهل هم كثيرون الذين يستطيعون تبين أي الصيغ هي الصحيحة عند كتابة عام 1912 مثلا بالحروف؛ اثنتي عشر أم اثني عشر أم اثني عشرة؟
لو لم يعترض سليمان ويرفع الأمر إلى رئيس القسم لما وقعت مشكلة؛ فمثل أمور كثيرة تحدث كل يوم كان يمكن للتغيير الذي أجراه سيد على كتابة تاريخ الرسائل أن يمر دون أن يلحظه أحد. لكن سليمان - ذلك الذي ليس له من حديث يومي غير غزواته النسائية - شاء أن يجعل من هذه القضية مجالا لاستعراض مواهبه في الكلام المعسول ، فماذا تفعل المؤسسة عندما تكتب إلى مؤسسات غيرها في بلدان عربية أخرى تستخدم أسماء أخرى للشهور؟ هل تحرر الرسائل باسمين للشهر وأحيانا ثلاثة؟
ولم يعدم سيد دفاعا عن فكرته يقدمه إلى رئيس القسم؛ فالأرقام دائما معرضة للخطأ ولهذا تكتب الشيكات مثلا بالأرقام والحروف، ثم هناك الحجة الأصلية وهي أن الأرقام بصورتها المتداولة دخيلة على اللغة العربية ولا تستخدم في بعض البلدان العربية. ولو كان رئيس القسم شخصا آخر أكثر جدية لانتهى الأمر بقبول اقتراحه ولما حدث ما حدث.
أفرغ الأب طبقه وترك الملعقة تتدحرج به، ثم تراجع إلى الوراء واضعا يده على بطنه.
لم يكن طبق الطعام الممتلئ يستغرق منه غير دقائق معدودة؛ لأنه لم يكن يمضغ شيئا منذ فقد أسنانه كلها من عهد بعيد.
سألته زوجته: «هل أضع لك المزيد؟»
أجاب: «الحمد لله، شبعت.» وتناول حبتين من دواء ما بعد الأكل ابتلعهما بما تبقى في الكوب من ماء، ثم قام من مقعده واتجه إلى السرير، فاستلقى على ظهره شابكا يديه فوق صدره.
Bog aan la aqoon