أجاب: «كان الزحام شديدا على باب الجمعية ولم أستطع الدخول.» وجعل يجمع الصحون من المطبقية، ثم حملها إلى غرفة أبيه.
كانوا فيما مضى يأكلون في الصالة عادة، لكنهم في الآونة الأخيرة أصبحوا يأكلون - بسبب المرض - في نفس الغرفة التي ينامون فيها، على مائدة صغيرة استقر التليفزيون فوق طرفها. ولم تعد مائدة الصالة تستخدم إلا في وجود الضيوف؛ الأمر الذي صار نادرا.
وبعد أن أحضر سيد الملاحة والملاعق والسكاكين، ظهرت الأم بظهرها المنحني قليلا وجسدها المترهل المهتز، وكانت تحمل آنية كبيرة من البطاطس المطهية بالطماطم، وضعتها وسط المائدة. وذهب سيد إلى المطبخ ثم عاد بطبق امتلأ بالأرز.
تشمم الأب بأنفه وهو يغادر فراشه بصعوبة ويأخذ مكانه إلى المائدة. وبدا بالمقارنة مع صورته المعلقة على الجدار كما لو كان قد انكمش إلى النصف.
قال: «كوب ماء لدوائي يا سيد.»
لم تكن به حاجة إلى السؤال لأن سيد - بحكم العادة - كان في طريقه لإحضار كوبين لا كوب واحد؛ فقد كان كل من الأب والأم يتناول عديدا من الأدوية قبل الأكل وبعده وفي أثنائه.
ملأت الأم طبقا كبيرا من الأرز والبطاطس أضافت إليهما السلاطة وقدمته إلى زوجها، وهي تلهث في انفعال من أنجز عملا تاريخيا. وقلب هو الخليط بملعقته ثم أقبل عليه بشهية بالغة، وقد نسي أمر نشرة الأخبار التي كان المذيع يقرؤها في صوت رصين. وملأت الأم لنفسها طبقا مماثلا بعد أن ابتلعت دواءها. أما سيد فقد بدأ بالبطاطس وحدها، ولم يعد هناك من صوت غير أفواههم وهي تمضغ الطعام يقطعها لهاث الأم بين الحين والآخر.
سأل سيد: «ألم تتكلم فادية؟»
أجابت: «أبدا.» ومنعها انهماكها في الطعام من الاسترسال، فاكتفت بأن تضيف: «ربما تكلمت بعد الظهر.»
كان السؤال وإجابته يترددان يوميا في نفس الوقت منذ خمسة عشر يوما؛ ففي ذلك التاريخ أنجبت فادية أول طفل لها. ولأن الأم أقسمت قبل ذلك بشهر ألا تضع قدمها في منزل ابنتها، كما أقسم زوج الابنة بدوره أن يكسرها لها إن فعلت، فالنتيجة أن أحدا من الأب أو الأم أو سيد لم يقم بزيارة فادية عند الولادة أو في أعقابها؛ الأمر الذي حدا بالزوج أن يقسم من جديد بطلاق زوجته إن ذهبت بالطفل إلى أهلها.
Bog aan la aqoon