ابتعدت في أسى، ولم يكن أمامي وقت لأذهب إلى دكان آخر، وكان يجب أن أعود على الفور؛ فلم يكن أبي يعرف أني خرجت.
وعندما دخلت الحارة سرت بجوار جدار البيوت محاذرا كي لا يراني أبي لو كان يقف في البلكونة، وصعدت السلم جريا حتى لهثت وعرقت، ووجدت باب الشقة مواربا كما تركته، فتسللت داخلا وأنا أتنصت لأحدد مكان أبي، وأحسست أنه في غرفة النوم، فاتجهت إليها. ورأيته متربعا على السرير وأمامه المائدة الخشبية، وقد وضع فوقها علبة الحلاقة التي كانت في الأصل صندوقا للسجاير من الكرتون، وأسند المرآة إلى كوب من الزجاج ملئ بالماء، وكان يسن الموسى على راحة يده.
راقبت الموسى وهو يروح ويجيء فوق لحم كفه المتين في بطء وثبات، أدركت أنه سيخرج. ولم يبد عليه أنه أحس بغيابي، فجلست على مقعد خشبي بغير مسند في الركن، وجعلت أرقبه وهو يضع الصابون على ذقنه ويمر عليها بالمكنة ثم ينحني إلى الأمام ليرى وجهه في المرآة، وعندما انتهى دعك ذقنه بقطعة من الشبة، فبدت ناعمة منتعشة، وأردت أن ألمسها بإصبعي.
التفت إلي فجأة قائلا: «البس هدومك عشان تخرج معايا.»
كان الخروج معه أحسن من عشر روايات ، وربما سنحت الفرصة في الطريق لشراء رواية.
وقبل أن تنتبه أختي للأمر، فتبكي وتصرخ وتصر على الخروج معنا، ضحك عليها أبي بأن قال لها إنه سيتركها تلعب طوال اليوم في شقة أم زكية المجاورة لنا.
ارتدى أبي ملابسه، ومسح طربوشه بكم سترته وأحكم وضعه فوق رأسه، ثم طوى طرفي شاربه الأبيض داخل فتحتي أنفه. وغادرنا الشقة وأغلقنا بابها وراءنا، وانطلقنا إلى الشارع، ولاحظت أننا نتجه إلى محطة الترام.
سألته: «إحنا رايحين فين؟»
فأجاب: «الوقت تعرف.»
ركبنا الترام، وقطعنا مسافة طويلة ثم هبطنا أمام مبنى كبير مسور ومزدحم بالناس عند بابه وفي فنائه.
Bog aan la aqoon