فأجاب السير كنث: «كنت متغيبا في الحج، وكانت لدي حينذاك رسالة أبلغها ناسك «عين جدة المقدس».» «هلا تستأمنني على هذه الرسالة يا سير كنث، وعلى ما أجاب به الناسك عليها؟»
فأجاب الاسكتلندي قائلا: «كلا يا سيدي.»
ورد عليه الرجل الإنجليزي في أنفة وكبرياء وقال: «إني من أعضاء المجمع السري في إنجلترا.»
فقال السير كنث: «ليس علي لهذه البلاد حق الولاء؛ وإن كنت قد تبعت جانب ملك إنجلترا في هذه الحرب طائعا، إلا أني مرسل من قبل المجمع العام للملوك والأمراء وكبار القواد في جيش الصليب المبارك، ولهؤلاء وحدهم أقوم برسالتي.»
فأجاب البارون دي فو فخورا شامخا بأنفه وقال: «ها! ماذا تقول؟ اعلم يا من قد تكون رسول الملوك والأمراء، أن ليس لطبيب أن يقرب فراش رتشارد ملك إنجلترا دون قبول رجل جلزلاند، ولن يجسر على اعتراض مشيئتي إلا من أتى برسالة السوء.»
ثم هم بالانصراف في كبر وخيلاء، ولكن الرجل الاسكتلندي دنا منه، واعترض سبيله، ووجه إليه الخطاب في صوت خافت، ولكنه لم يخل من نبرة تنم عن بعض الاعتزاز بالنفس، وسأله إن كان يقدره كرجل كريم وفارس نبيل.
فأجاب توماس دي فو في شيء من التهكم والسخرية وقال: «الاسكتلنديون جميعا أشراف نبلاء بفضل مولدهم ونشأتهم.» ولكنه أحس بالحيف في كلامه، ورأى الدم يعلو في وجنتي كنث، فاستطرد قائلا: «من الجرم أن يرتاب المرء في أنك فارس نبيل، وإنه لإثم على الأقل من رجل رآك وأنت تؤدي واجبك حق الأداء في جرأة وإقدام.»
وصادفت هذه الصراحة في هذا الاعتراف الأخير من نفس الفارس الاسكتلندي قبولا فقال: «إذن فإني أقسم لك يا توماس الجلزلاندي - وأنا رجل حسيب نسيب، وأنا فارس ارتديت نطاقي وأتيت إلى هنا طلبا للشهرة والصيت في هذه الحياة الفانية، والعفو عن ذنوبي في الحياة الآخرة - أني، بحق هذا الصليب المبارك الذي أحمل، حين أوصي بخدمة هذا الطبيب المسلم، لا أرمي إلا إلى سلامة رتشارد قلب الأسد.»
فصعق الرجل الإنجليزي من هيبة هذه الضراعة، وأجاب بإخلاص أشد مما أظهر حتى آنئذ وقال: «خبرني يا فارس النمر لو أني سلمت بأنك عن نفسك مقتنع بهذا الأمر، فهل تظن أني أصيب في بلاد فن التسمم فيها ذائع بين الناس ذيوع فن الطهي، إن أنا أتيت بهذا الطبيب المجهول، يجرب عقاقيره في رجل صحته لها قيمتها في العالم المسيحي؟»
فأجاب الاسكتلندي قائلا: «سيدي، لا يسعني إلا أن أجيب بأن حامل ترسي - وهو الوحيد من أتباعي الذي أفلت من الحروب والأوبئة وبقي لي يسهر علي - قد أصيب منذ عهد قريب بهذه الحمى ذاتها، التي حلت بالملك رتشارد الصنديد فشلت أهم الأعضاء في هذا المشروع المقدس، وقاسى منها كثيرا وتعرض لأخطارها، فأمده الحكيم بالدواء منذ أقل من ساعتين، وهو الآن يغط في نوم هادئ؛ أما أن هذا الحكيم يستطيع أن يشفي هذه العلة القاتلة فإني لا أشك في ذلك، وأما أنه يرغب في الأداء فهذا ما يكفله - على ما أظن - أنه رسول من السلطان صاحب النفوذ، وهو رجل طيب القلب مخلص أمين، إن صح أن تطلق هذه الصفات على كافر أعمى البصيرة؛ ويكيفنا ضمينا أنه إن نجح في علاجه فله ثواب مؤكد، وإن فشل عامدا فعليه الجزاء.»
Bog aan la aqoon