وضرب «بلندل» على قيثارته أعلى أنغامها ترحيبا بمقدم الظافر إلى سرادق الملكة برنجاريا، وقد دخل مستندا يمينا ويسارا على ضامنيه رتشارد وتوماس لنجسورد، ثم جثا خاشعا أمام الملكة، ولكن أكثر من نصف الولاء كان موجها في صمت إلى أديث التي كانت تجلس إلى يمينها.
وطفحت نفس الملك بشرا، وأراد أن يقوم بتقاليد الفروسية فقال: «جردوه عن سلاحه، سيداتي، وليشرف الجمال الشهامة! انزعي عنه مهمازيه يا برنجاريا؛ إنك ملكة، ولكنك تدينين له بكل شارة من شارات الرضا بوسعك أن تمنحيها إياه. حلي رباط خوذته يا أديث؛ حليها بيدك حتى وإن كنت أشد ذرية بلانتاجنت كبرا، وكان هو أفقر فارس على وجه البسيطة!»
وصدع السيدتان بالأمر الملكي، وشرعت برنجاريا تعمل بمثابرة واهتمام، حريصة على أن تشبع رغبات زوجها، وأديث تنتابها حمرة الحياء حينا والشحوب المتزايد حينا آخر، وهي تفك بتؤدة واضطراب - يعاونها لنجسورد - الروابط التي كانت توثق الخوذة بالزرد.
ولما نزعت الخوذة عن السير كنث بدت للعيان طلعته، ووجهه ينبض بالجهد الذي بذل حديثا، كما ينبض - بما لا يقل عن ذلك شدة - بالعاطفة الثائرة في نفسه إذ ذاك. فقال رتشارد: «ماذا تنتظرون من وراء هذا الرداء الحديدي؟ ماذا ترون فيه أيها الشجعان وأيتها الحسان؟» ثم قال: «هل هو يشبه العبد الأتيوبي، أم هل يبدي وجه مغامر مجهول غير ذائع الصيت؟ كلا ومهندي الكريم! هنا نهاية تنكره على ضروبه المختلفة، لقد جثا أمامك وما تعرفين عنه غير فضله، ولينهض كذلك مميزا بكرم أرومته وبحسن طالعه، لينهض الفارس الجريء «كنث» باسم «دافيد إيرل هنتنجدن» أمير اسكتلندا الملكي!»
فساد بين الجميع العجب والدهشة، وسقطت من يد أديث الخوذة التي أمسكت بها منذ حين.
وقال الملك: «أجل سادتي، إنه لكذلك. إنكم تعرفون كيف أن اسكتلندا قد خدعتنا حينما ارتأت أن تبعث إلينا بهذا «الإيرل» الجسور يصحبه جماعة من الشجعان من خيار أبنائها ونبلائهم ليعاونوا جيوشنا في هذه الحملة على فلسطين، ثم أخلت بوعدها, ولكن هذا الشاب النبيل، الذي كان على الصليبيين الاسكتلنديين أن يسيروا تحت لوائه، أدرك أن من فحش العار أن يمسك سلاحه عن الحرب المقدسة، فانضم إلينا في صقلية ومع ثلة صغيرة من الأتباع الغيورين المخلصين، انضم إليها الكثير من مواطنيه، الذين كانوا يجهلون مرتبة قائدهم. وقد حصد الموت كل من يثق فيهم الأمير الملكي سوى تابع واحد مسن، في وقت كاد سره المختبئ في طي الكتمان أن يدفعني إلى أن أقطع - في شخص مغامر اسكتلندي - أملا من أنبل آمال أوروبا. لم لم تذكر مرتبتك يا هنتنجدن النبيل، وأنت محفوف بخطر أحكامي العاجلة الشديدة الانفعال؟ هل كنت تحسب رتشارد بمستطيع أن يسيء استخدام ما له من فضل على وريث ملك كثيرا ما ألفاه معاديا له!»
فأجاب «إيرل هنتنجدن» وقال: «إني لم أصمك بهذا العسف أيها الملك رتشارد، ولكني لم أطق أن أقر بأني أمير اسكتلندا كي أنجو بحياتي - وقد استهدفت للخطر لتقصيري في واجب في الولاء - وفوق ذلك فإني كنت قد أقسمت أن أبقي مرتبتي مجهولة حتى تنتهي الحرب الصليبية، وما ذكرتها إلا وأنا أتأهب للموت وأعترف لهذا الناسك الواقف هناك.»
فقال رتشارد: «إذن فلقد كانت معرفة هذا السر هي التي حدت بالرجل الكريم أن يتعجلني في الرجوع عن حكمي الشديد الذي حكمت؟ ما كان أجدره أن يقول لي إن هذا الفارس الكريم لو سقط جراء حكمي لوددت فيما بعد لو أن الحادث لم يقع حتى وإن كلفني ذلك شلوا من أشلائي - شلوا! كلا بل لوددت أن لم يقع حتى وإن كلفني حياتي - ما دام العالم لا بد قائل إن رتشارد قد أساء إلى مآل وريث اسكتلندا، وقد وثق الرجل في كرمه.»
فقالت الملكة برنجاريا: «ومع ذلك فهل لنا أن نعرف من جلالتك بأية صدفة عجيبة سعيدة انحل هذا اللغز بعد لأي؟»
فقال الملك: «وردت إلينا الرسائل من إنجلترا، وعلمنا منها من خلال ما حملت من أبناء أخرى غير سارة أن ملك اسكتلندا قد ألقى القبض على ثلاثة أو أربعة من نبلائنا وهم يحجون إلى القديس «ننيان»، وذريعته في ذلك أن وريثه الذي ظن الناس أنه يقاتل في صفوف الفرسان التيوتون ضد المنافقين في «بروسة» هو في الحقيقة في معسكرنا وتحت سلطاننا؛ ولذا فقد رأى وليم أن يقبض على هؤلاء النبلاء رهنا لسلامته، فرمى لي هذا الحادث الشعاع الأول على مرتبة فارس النمر الحق، وأيد شكوكي دي فو، الذي عاد عن عسقلان ومعه خادم إيرل هنتنجدن الأوحد، وهو رقيق صلب الرأي، سار مع دي فو ثلاثين ميلا كي يفشو له سرا كان ينبغي له أن يبوح لي به.»
Bog aan la aqoon