فأجابه صوت رجل دخل إذ ذاك السرادق وقال: «لا تقسم!»
فقال الملك: «ها! هذا طبيبي النطاسي قد أقبل يستجدي سخاءنا.»
كلا، إنما أطلب التحدث إليك فورا في أمور ذات بال.» «أنظر أيها الحكيم إلى زوجتي، ودعها تعرف فيك رجلا أبقى لها زوجها.»
فأطبق الطبيب ساعدا فوق الأخرى، ليظهر التواضع والاحترام على الطريقة الشرقية، وأطرق ببصره نحو الأرض، ثم قال: «ليس لي أن أنظر إلى جمال لا يحجبه قناع، جمال يذود عنه رونقه وبهاؤه.»
فقال الملك: «إذن فلتتراجعي يا برنجاريا، وأنت يا أديث تراجعي كذلك؛ كلا، لا تعيدي على مسمعي لجاجتك! هذا ما أمنحكما: ليبق نفاذ الحكم حتى تبلغ الشمس رابعة النهار. اذهبا بهذا مطمئنتين، اذهبي يا عزيزتي برنجاريا.» ثم ألقي نظرة بعثت الرعب حتى في نفس أديث قريبته الجريئة وقال: «اذهبي إن كنت حكيمة.»
فانسحب النسوة، أو قل خففن من السرادق، وقد نسين المراتب والرسوم وهن كسرب الطير البري نزل به باز منذ حين فاختلط الحابل فيه بالنابل.
عدن من هنا إلى سرادق الملكة، كي يسترسلن في أسفهن ومهاترتهن، وليس في هذا أو ذاك ما يجدي. وكانت أديث وحدها من بينهن تستخف بضروب الأسى هذه التي ألفن، فوقفت بخدمة الملكة لا تتنهد ولا تبكي ولا تنبس بكلمة لوم أو تأنيب، وقد أبدت الملكة - لضعفها - أسفها، في نزوات كنزوات الجنون شديدة على النفس، وفي صحيات حارة كأنها عليلة آدتها العلة، وفي غضون ذلك كانت أديث تقوم بخدمتها بكل ما وسعت من جهد، بل وبكل ما في نفسها من حب.
وقالت «فلوريس» إلى «كالستا» رئيستها في خدمة الملكة «محال أنها أحبت هذا الفارس؛ إنا كنا خاطئات؛ ما هي إلا آسفة على قضائه كما تأسف على غريب حلت به المصائب من أجلها.»
فأجابتها زميلتها، وهي أكثر منها خبرة وأشد تأدبا «صه، صه؛ هي من ذلك البيت الفخور، بيت بلانتاجنت، الذي ما يقر أبناؤه قط بأن الأذى يحزنهم. قد يصيب الواحد منهم جرح مميت يدمي حتى الموت، ولكنك ترينه مع ذلك يضمد أخداشا خفيفة يكابدها أقرانه من ذوي القلوب الواهنة. فلوريس! لقد أخطأنا خطأ كبيرا، وإني من جانبي أود لو بذلت كل ما أملك من جواهر لو أصبحت فكاهتنا هذه كأنها لم تكن.»
الفصل الثامن عشر
Bog aan la aqoon