فقالت أديث وقد تقدمت خطوة أو بعض خطوة: «ليكن ذلك، سيدي! أنا قريبتك المسكينة أطلب إليك عدلا ورحمة، ولصوت العدالة يجب أن تتفتح آذان الملوك في كل حين وفي كل زمان وتحت كل ظرف.»
فهب رتشارد من مرقده، واستقام في جلسته على جانب السرير، وادثر بدثاره الأحمر وقال: «هيه! ابنة عمي أديث؟ والله إنك لتنطقين أبدا بما ينطق الملوك، ولسوف أجيبك كما يجيب الملوك؛ إنك ما أتيت إلي بمطلب لا يليق بكرامتك.»
وكان جمال أديث عليه مسحة أشد فطنة وأقل شهوة مما يبدو على الملكة، ولكن الجزع والفزع قد رسما على محياها وميضا كانت تفتقر إليه أحيانا، وكان على طلعتها سيماء الوقار والنشاط، حتى لقد فرضت بمرآها السكون لحظة من الزمن على رتشارد نفسه، الذي كان فيما يبدو على ملامحه يود لو يعارضها. قالت: «سيدي، إن هذا الفارس الكريم الذي توشك أن تريق دماءه قد أدى في حياته خدمة للعالم المسيحي، وإنه لم يقصر في واجبه إلا لأن مكيدة قد دبرت له في ساعة ساد فيها لهو عقيم أخرق؛ بعث إليه برسالة سيدة - وما لي لا أفوه باسمها؟ باسمي أنا - فأغوته هذه الرسالة على أن يترك مكانه لحظة - وأي فارس في معسكر المسيحيين لا يتخطى واجبه إلى هذا الحد انصياعا لإرادة فتاة، مهما كانت ضعيفة من بعض صفاتها، فإن دم بلانتاجنت يجري في عروقها؟»
فقال الملك وقد عض على شفتيه كي يكبح جماح غضبه: «وهل رأيته يا ابنة عمي؟»
فقالت أديث: «أجل لقد رأيته يا مولاي، وليس لي الآن أن أبوح بما بعثني على ذلك، ولست هنا لأبرئ نفسي أو أعذل غيري.» «وإني صنعت فيه هذا الجميل؟» «في سرادق جلالة الملكة.»
فقال رتشارد: «في سرادق زوجي الملكة! برب السماء، وبالقديس جورج الإنجليزي بكل قديس صعد إلى القبة الزرقاء، لقد أتيتن شيئا إدا! إني لاحظت على هذا المقاتل قحته في إعجابه بسيدة تعلوه كثيرا وأغضيت عن ذلك، ولم أضن عليه بأن تسبغ عليه واحدة من ذوات قرباي مثل هذا الهوى وهي في عليائها كما ترسل الشمس من علاها على الدنيا الضياء، ولكن وحق الأرض والسماوات كيف رضيت له أن يمثل لديك ليلا، وفي خيمة زوجنا الملكية! وكيف تجسرين على أن تتقدمي بهذا معذرة له على عصيانه وإهماله في واجبه! وروح أبي يا أديث لتكفرن عن هذا حياتك في الدير!»
فقال أديث: «مولاي، إن عظمتك تجيز لك الظلم، ولكن شرفي يا سيدي المليك - كشرفك - لم يمسه أحد. وتستطيع مولاتي الملكة أن تشهد بذلك إن شاءت. ولكني قلت لك من قبل إني لست هنا لأبرئ نفسي أو أتهم غيري، إني أضرع إليك أن تمد إلى رجل ارتكب إثمه تحت تأثير الإغراء الشديد، تلك الرحمة التي سوف تلتمسها أنت نفسك يا سيدي المليك يوما من حكم أعلى ولآثام ربما كانت أقل من هذي حقا بالغفران.»
فأجاب الملك بحرارة وقال: «أهذي أديث بلانتاجنت، أديث بلانتاجنت العاقلة النبيلة؟ أم امرأة مريضة بالحب، لا تبالي بشرف اسمها من أجل حياة عشقيها؟ والآن أقسم بروح الملك هنري لن يصرفني شيء عن أن آمر بأن يؤتى بجمجمة حبيبك من المقصلة، وأن تعلق حلية دائمة على الصليب في بيتك!»
فقالت أديث: «لو بعثت بها من المقصلة كي توضع على مرأى مني أبدا، فلسوف أقول إنها أثر لفارس كريم ساقه إلى الموت عنوة وجورا رجل ...» (ثم كبحت جماح نفسها وقالت) «رجل لا أقول عنه إلا أنه كان ينبغي أن يعرف خيرا من هذا كيف يجزي الشهامة.» ثم أردفت وقد زادت من حدتها وقالت: «إنك تقول إنه كان عشيقي؟ حقا لقد كان لي حبيبا وحبيبا غاية في الإخلاص، ولكنه لم يتقرب إلي بنظرة أو كلمة، واكتفى بمثل تلك الرعاية وذلك الخضوع الذي يقدمه للقديسين الرجال، ولكن هذا الرجل الطيب، هذا الرجل الجسور، هذا الرجل المخلص، ينبغي أن يموت من أجل ذلك!»
فهمست الملكة قائلة: «مهلا، مهلا، ورفقا به، إنك إنما تزيدين من الإساءة إليه!»
Bog aan la aqoon