وفي تلك اللحظة أرسل القمر سهام نوره، وتبين له أن راية إنجلترا قد اختفت، وأن الرمح الذي كانت ترفرف فوقه كان ملقى على الأرض محطما، وإلى جواره كلبه الأمين يعالج سكرات الموت.
الفصل الرابع عشر
... لقد أضعت أذيال الشرف الطويلة،
وقد جمعتها في شبابي وادخرتها لمشيبي!
ماذا؟ هل غاض معين الشرف؟
أجل، لقد كان،
ولتمض إذن صغار الأطفال بأقدام عارية
يجمعون الحصا من مخاضة العين بعد جفافها.
دون سبستيان
انتاب السير كنث فيض من الإحساسات المتضاربة، كاد أول الأمر أن يذهله ويشتت ذهنه. ولما أفاق كان أول ما خطر له أن يبحث عمن اعتدوا على العلم الإنجليزي، ولكنه لم ير لهم أثرا في أية ناحية من النواحي، فخطر له ثانيا أن يفحص حال «رزوال» الأمين ، وقد أصيب بجراح قاتلة وهو - على ما يظهر - يؤدي الواجب الذي أغري سيده بهجرانه؛ وقد يبدو هذا الخطر غريبا لبعض القوم، ولكنه ليس كذلك لكل من كانت له بالكلاب صلات وثيقة. أخذ كنث يدلل الكلب مخلصا حتى النهاية، فتناسى الكلب آلامه من أثر السرور الذي أحس به من قرب سيده، ولبث يهز ذيله، ويلعق يديه، حتى حينما كانت أناته الضعيفة تدل على أن آلامه كانت تتزايد كلما حاول السير كنث أن يستخلص من الجرح شظايا الرمح أو النشاب الذي أصيب به. وأخذ الكلب يضاعف من إعزازه لصاحبه - رغم فتوره وضعفه - كأنه كان يخشى أن يسيء إليه إن هو أبدى إحساسا بالألم الذي أصابه من جراء تعرضه للدفاع. ولقد كان في هذا المظهر الذي ظهر به الكلب وهو يعالج سكرة الموت، مظهر التعلق بصاحبه، شيء من المرارة اختلط في نفس السير كنث بشعوره بالخزي والوحشة اللذين حاقا به؛ وشعر كأن صديقه الأوحد قد رحل عنه في الوقت الذي كان يحس فيه بالازدراء والبغضاء لكل من عداه، فلم يسع الفارس - رغم صدق عزيمته - إلا أن يستسلم للانفجار من هذا الكرب الأليم، فأخذ يتأوه ويبكي بكاء مرا.
Bog aan la aqoon