Tibyan
التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي
Noocyada
تفسير التبيان ج1
من العلم في القلب كما يكون معلما بذلك.
وقوله: " ثم عرضهم على الملائكة " إنما لم يقل: ثم عرضها، اذ كانت الاسماء لا تعقل، لانه أراد أصحاب الاسماء وفيهم ما لايعقل كما تغلب المذكر اذا اجتمع مع المؤنث، لانهم يقولون: إن اصحابك وإماءك جاءوني وروي عن ابن عباس أنه قال: عرض الخلق وقال مجاهد: عرض أصحاب الاسماء.
وقوله: " وعلم آدم الاسماء كلها " معناه أنه علمه معاني الاسماء، من قبل أن الاسماء بلا معان لا فائدة فيها، ولا وجه لايثاره الفضيلة بها وقد نبه الله الملائكة على مافيه من لطيف الحكمة، فاقروا عند ماسئلوا عن ذكرها والاخبار عنها أنهم لا علم لهم بها فقال: " يا آدم أنبئهم باسمائهم " وقول قتادة، وظاهر العموم يقتضى أنه علمه الاسماء وبه قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وأكثر المتأخرين: كالبلخي والجبائي وابن الاخشيد والرماني.
وقال الطبري بما يحكي عن الربيع وابن زيد: انهما قالا: علمه الله اسماء ذريته واسماء الملائكة وقال هو الاختيار دون قول ابن عباس وقال: إن قولهم: " عرضهم " إنما يكون لمن يعقل في الاظهر من كلام العرب وهذا غلط لما بيناه من التغليب وحسنه كما قال تعالى: " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع "(1) وهذا يبطل ما قاله، ويبقى اللفظ على عموم وظاهر الآية وعمومها يدل على انه علمه جميع اللغات.
وبه قال الجبائي والرماني فأخذ عنه ولده اللغات فلما تفرقوا، تكلم كل قوم منهم بلسان ألفوه واعتادوه وتطاول الزمان على ما خالف ذلك فنسوه ويجوز أن يكونوا عالمين بجميع تلك اللغات إلى زمن نوح فلما أهلك جميع الخلائق إلا نوحا ومن معه، كانوا هم العارفين بتلك اللغات فلما كثروا وتفرقوا اختار كل قوم منهم لغة تكلموا بها، وتركوا ما سواها، وانقرض ونسوه والخبر الذي يروي أن الناس امسوا ولغتهم واحدة ثم اصبحوا وقد تغيرت السنتهم وكان لا يعرف كل فريق منهم إلا كلام من كان
---
(1) سورة النور آية 45.
Bogga 136