بقدر ما في الهميان فالذي أخذه الصبي حقه. وأما ذلك الأعمى فإنه قبل أن يعمى قتل أبا ذلك الفارس فقد اقتص منه ووصل كل ذي حق إلى حقه وعدلنا وإنصافنا دقيق. فلما علم موسى ذلك تحير واستغفر. وهذه الحكاية أوردناها ليعلم العقلاء، ويتصور الألّباء، أن الله جلّ ذكره لا يخفي عليه شيء وأنه يتصف من الظالم في الدنيا ولكن نحن غافلون عما جاءنا لا ندري من أين أتانا.
سئل ذو القرنين فقيل له: أي شيء أنت به أكثر سروًا؟ فقال: شيئان أحدهما العدل والإنصاف. والثاني أن أكافىء من أحسن إلى بأكثر من إحسانه. وقال النبي ﷺ: (إن الله تعالى يحب الإحسان في كل شيء حتى إنه يحب إنسانًا إذا ذبح شاة أن يمهي لها المدية ليعجل خلاصها من ألم الذبح) . وقال موسى ﵇: إن الله تعالى لم يخلق شيئًا في الأرض أفضل من العدل، والعدل ميزان الله في أرضه من تعلق به أوصله الجنة. وقال رسول الله ﷺ: (إن للمحسنين في الجنة منازل حتى المحسن إلى أهله وأتباعه) . وقال قتادة في تفسير هذه الآية (ألا تطَغوُا فِي المِيزَانِ) قال: أراد به العدل: فقال يا ابن آدم أعدل كما تحب أن يعدل فيك.
وعن عمر أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله تعالى لما أهبط آدم إلى الأرض أوحى إليه أربع كلمات وقال: يا آدم علمك وعلم جميع ذريتك على هذه الكلمات الأربع وهي كلمة لي، وكلمة لك، وكلمة بيني وبينك وبين الناس. أما الكلمة التي لي فهي أن تعبدني لا تشرك بي شيئًا. وأما التي هي لك فأنا أجازيك بعملك. وأما الكلمة التي هي بيني وبينك، فمنك الدعاء ومني الإجابة. وأما الكلمة التي بينك وبين الناس فهي أن تعدل فيهم وتنصف بينهم) . وقال قتادة: الظلم ثلاثة أضرب: ظلم لا يغفر لصاحبه،
1 / 49