ويستفرغ زمانه في جمع حطام الدنيا، فقبض الله روحه وجعل النار مقره وهذا رأسه، ثم مد يده إلى الطاقة وأخرج قحفًا آخر فوضعه بين يديه وقال له: أتعرف من كان صاحب هذا؟ قال: كان هذا ملكًا عادلًا مشفقًا على رعيته محباُ لأهل مملكته فقبض الله روحه وأسكنه جنته، ورفع درجته، ثم انه وضع يده على رأس ذي القرنين وقال: ترى أىّ هذين الرأسين يكون هذا الرأس؟ فبكى ذو القرنين بكاء شديدًا وضمه إلى صدره، فقال: هيهات ما لي رغبة في ذلك. قال: ولم؟ قال: لأن الناس جميعًا أعداؤك بسبب المال والمملكة، وكلهم أصدقائي بسبب القناعة والصعلكة، فالله تعالى معك فالآن يجب أن تعرف حكايات النفس الأخير وتتيقن معرفتها.
واعلم أن أهل الغفلة المغتربين لا يحبون استماع حديث الموت لئلا يبرد حب الدنيا في قلوبهم، وتتنغص عليهم لذة مأكولهم ومشروبهم. وقد جاء في الخبر أن من أكثر ذكر الموت وظلمة اللحد كان قبره روضة من رياض الجنة، ومن نسي الموت وغفل عن ذكره كان قبره حفرة من النار، وكان رسول الله ﷺ يومًا يصف أجر الشهداء وثواب السعداء الذين قتلوا في معركة حرب الكفار فقالت عائشة ﵂: يا رسول الله هل ينال ثواب الشهداء من لم يمت شهيدًا؟ فقال ﵊: (من ذكر الموت في كل يوم عشرين مرة كان له مثل أجر الشهداء ودرجتهم) .
وقال ﵊: (أكثر من ذكر الموت فإنه يمحو الذنوب ويبرد الدنيا في القلوب) . سئل ﵊: من أعقل الناس وأحزمهم؟ فقال: أعقل الناس أكثرهم للموت ذكرًا وأحزمهم أحسنهم له استعدادًا. له شرف الدنيا وكرامة الآخرة فمن عرف الدنيا كما ذكره وكرر في قلبه ذكر النفس الأخير سهلت عليه أمور دنياه، وقوي أصل شجرة الإيمان في قلبه وأخذ في النمو والزيادة ونمت فروع شجرة الإيمان عنده ولقي الله وإيمانه سالم. والله جلت قدرته،
1 / 41