وكان إيمانه صحيحًا سالمًا لحضرة الديان، فلا وجه ليأسه من الرحمة والرضوان، فإن الله جواد كريم، غفور رحيم.
واعلم أيها السلطان أن راحة الدنيا أيام قلائل وأكثرها منغص بالتعب، مشوب بالنصب، وبسببها تفوت راحة الآخرة التي هي الدائمة الباقية والملك الذي لا نهاية له ولا فناء، فيسهل على العاقل أن يصبر في هذه الأيام القلائل لينال راحة دائمة بلا انقضاء.
نكتة: لو كان للإنسان معشوقة وقيل له إن صبرت عنها هذه الليلة سلمت إليك ألف ليلة بلا تعب ولا نصب، وإن كنت تزورها فإنك لا تراها أبدًا فإنه كان عشقه لها عظيمًا وصبره عنها أليمًا لكن يهون عليه صبره على البعد عنها ليلة واحدة لينال الآخرة، بل الدنيا ليست بشيء في جنب الآخرة، ولا شبه بينهما لأن الآخرة لا نهاية لها، ولا يُدرك بالوهم طولها.
وقد أفردنا في صفة الدنيا كتابًا لكنا نقتنع الآن بما نورده من حال الدنيا، وقد أوضحنا حالها على عشرة أمثلة.
المثال الأول في بيان سحر الدنيا: وقد قال ﷺ: (أحذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت؛ وأول سحرها أنها تريك أنها ساكنة عندك مستقرة معك، وإذا تأملتها خلتها وهي هاربة منك نافرة عنك عل الدوام، وإنما تتسلسل عل التدريج ذرة ذرة ونفسًا نفسًا) . ومثل الدنيا مثل الظل إذا رأيته حسبته ساكنًا وهو يمر دائمًا، وكذلك عمر الإنسان يمر بالتدريج عل الدوام وينقص كل لحظة، وكذلك الدنيا تودعك وتهرب عنك وأنت غافل لا تخبر وذاهل لا تشعر، ولذلك قال بعض الشعراء في المعني.
وما الدُنيَا وإن كثُرت وطابَت ... بها اللذاتُ إلا كالسَرابِ
يمُرُ نعيمُها بعدُ اِلتذاذِ ... ويمضِي ذاهبًا مرّ السحابِ
المثال الثاني من ذلك: ومن سحرها أنها تظهر لك محبة لتعشقها، وتريك أنها لك مساعدة وأنها لا تنتقل عنك إلى غيرك ثم تعود عدوة لك على
1 / 31