الداعية إلى الانتقام، والغضب غول العقل وعدوه وآفته، وقد ذكرنا ذلك في كتاب الغضب في ربع المهلكات. وإذا كان الغضب غالبًا فينبغي أن يميل في الأمور إلى جانب العفو ويتعود الكرم والتجاوز فإذا صار ذلك عادة لك ماثلت الأنبياء والأولياء، ومتى جعلت إمضاء الغضب عادة ماثلت السباع والدواب.
حكاية: يقال أن أبا جعفر المنصور أمر بقتل رجل، والمبارك بن الفضل حاضر فقال: يا أمير المؤمنين أسمع خبرًا قبل أن تقتله: روى الحسن البصري عن رسول الله ﷺ أنه قال: (إذا كان يوم القيامة وجمع الخلائق في صعيد واحد، نادي منادٍ من كان له عند الله يد فليقم، فلا يقوم إلا من عفا عن الناس، فقال أطلقوه فأني قد عفوت عنه) . وأكثر ما يكون غضب الولاة على من ذكرهم وطوّل لسانه عليهم فيسعون في سفك دمه.
قال عيسى ﵇ ليحيى بن زكريا ﵉: إذا ذكرك أحد بشيء وقال فيك صحيحًا فاشكر الله، وإن قال فيك كذبًا فازدد من ذكر الشكر، فإنه يزيد في ديوان أعمالك وأنت مستريح، يعني أن حسناته تكتب لك في ديوانك.
وذكر عند رسول الله ﷺ رجل فقيل إن فلانًا رجل قوي شجاع فقال: كيف ذاك؟ فقالوا: يقوى بكل أحد وما صارع أحدًا إلا صرعه فقال عليه الصلاة السلام: (القوي الشجاع من قهر نفسه لا من صرع غيره) .
وقال ﵊: (ثلاث من كانت فيه فقد كمل إيمانه من كظم غيظه وأنصف في حال رضاه وغضبه وعفا عند المقدرة) . وقال عمر ابن الخطاب: لا تعتمد على خلق رجل حتى تجربه عند الغضب.
حكاية: قيل عن الحسن بن علي ﵄ أنه بلغه عن رجل كلام يكرهه فأخذ طبقًا مملوأً من التمر الجني وحمله بنفسه إلى دار ذلك الرجل فطرق الباب فقام الرجل وفتح الباب فنظر إلى الحسين ومعه الطبق فقال: وما
1 / 24