77

Daawada Nabiga

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Daabacaha

دار الهلال

Lambarka Daabacaadda

-

Goobta Daabacaadda

بيروت

فَإِنَّهَا لَمْ تَتَمَكَّنْ بَعْدُ مِنْ قُوَّتِهَا، وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِدَفْعِ آثَارِ الْعِلَّةِ، وَإِزَالَتِهَا مِنَ الْبَدَنِ. وَفِي الرُّطَبِ خَاصَّةً نَوْعُ ثِقَلٍ عَلَى الْمَعِدَةِ، فَتَشْتَغِلُ بِمُعَالَجَتِهِ وَإِصْلَاحِهِ عَمَّا هِيَ بِصَدَدِهِ مِنْ إِزَالَةِ بَقِيَّةِ الْمَرَضِ وَآثَارِهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقِفَ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ، وَإِمَّا أَنْ تَتَزَايَدَ، فَلَمَّا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ السِّلْقُ وَالشَّعِيرُ، أَمَرَهُ أَنْ يُصِيبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَغْذِيَةِ لِلنَّاقِهِ، فَإِنَّ فِي مَاءِ الشَّعِيرِ مِنَ التَّبْرِيدِ وَالتَّغْذِيَةِ، وَالتَّلْطِيفِ وَالتَّلْيِينِ، وَتَقْوِيَةِ الطَّبِيعَةِ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلنَّاقِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا طُبِخَ بِأُصُولِ السَّلْقِ، فَهَذَا مِنْ أَوْفَقِ الْغِذَاءِ لِمَنْ فِي مَعِدَتِهِ ضَعْفٌ، وَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنَ الْأَخْلَاطِ مَا يُخَافُ مِنْهُ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: حَمَى عمر ﵁ مَرِيضًا لَهُ، حَتَّى إِنَّهُ مِنْ شِدَّةِ مَا حَمَاهُ كَانَ يَمُصُّ النَّوَى. وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْحِمْيَةُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ قَبْلَ الدَّاءِ، فَتَمْنَعُ حُصُولَهُ، وَإِذَا حَصَلَ، فَتَمْنَعُ تَزَايُدَهُ وَانْتِشَارَهُ. فَصْلٌ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يُحْمَى عَنْهُ الْعَلِيلُ وَالنَّاقِهُ وَالصَّحِيحُ، إِذَا اشْتَدَّتِ الشَّهْوَةُ إِلَيْهِ، وَمَالَتْ إِلَيْهِ الطَّبِيعَةُ، فَتَنَاوَلَ مِنْهُ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا تَعْجِزُ الطَّبِيعَةُ عَنْ هَضْمِهِ، لَمْ يَضُرَّهُ تَنَاوُلُهُ، بَلْ رُبَّمَا انْتَفَعَ بِهِ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ وَالْمَعِدَةَ تَتَلَقَّيَانِهِ بِالْقَبُولِ وَالْمَحَبَّةِ، فَيُصْلِحَانِ مَا يُخْشَى مِنْ ضَرَرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْفَعَ مِنْ تَنَاوُلِ مَا تَكْرَهُهُ الطَّبِيعَةُ، وَتَدْفَعُهُ مِنَ الدَّوَاءِ، وَلِهَذَا أَقَرَّ النَّبِيُّ ﷺ صهيبا وَهُوَ أَرْمَدُ عَلَى تَنَاوُلِ التَّمَرَاتِ الْيَسِيرَةِ، وَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تَضُرُّهُ، وَمِنْ هَذَا مَا يُرْوَى عَنْ علي أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ أَرْمَدُ، وَبَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ تَمْرٌ يَأْكُلُهُ، فَقَالَ: يَا علي! تَشْتَهِيهِ؟ وَرَمَى إِلَيْهِ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ بِأُخْرَى حَتَّى رَمَى إِلَيْهِ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُكَ يَا علي» . وَمِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي «سُنَنِهِ» مِنْ حَدِيثِ عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَادَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُ: «مَا تَشْتَهِي»؟ فَقَالَ: أَشْتَهِي خُبْزَ بُرٍّ. وَفِي لَفْظٍ: أَشْتَهِي كَعْكًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خُبْزُ بُرٍّ فَلْيَبْعَثْ إِلَى أَخِيهِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا اشْتَهَى مَرِيضُ أَحَدِكُمْ شيئا، فليطعمه» «١» .

(١) أخرجه ابن ماجه في الجنائز.

1 / 79