Daawada Nabiga
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Daabacaha
دار الهلال
Lambarka Daabacaadda
-
Goobta Daabacaadda
بيروت
قَالَ الحسين بن مسعود الفراء: وَقَوْلُهُ «سَفْعَةٌ» أَيْ نَظْرَةٌ يَعْنِي: مِنَ الْجِنِّ.
يَقُولُ: بِهَا عَيْنٌ أَصَابَتْهَا مِنْ نَظَرِ الْجِنِّ أَنْفَذُ مِنْ أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ.
وَيُذْكَرُ عَنْ جابر يَرْفَعُهُ: «إِنَّ العين لتخل الرّجل القبظر، وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ» «١» .
وَعَنْ أبي سعيد، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ، وَمِنْ عَيْنِ الْإِنْسَانِ «٢» .
فَأَبْطَلَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ قَلَّ نَصِيبُهُمْ مِنَ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ أَمْرَ الْعَيْنِ، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ، وَمِنْ أَغْلَظِهِمْ حِجَابًا، وَأَكْثَفِهِمْ طِبَاعًا، وَأَبْعَدِهِمْ مَعْرِفَةً عَنِ الْأَرْوَاحِ وَالنُّفُوسِ وَصِفَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا وَتَأْثِيرَاتِهَا، وَعُقَلَاءُ الْأُمَمِ عَلَى اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ لَا تَدْفَعُ أَمْرَ العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه وَجِهَةِ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ.
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ الْعَائِنَ إِذَا تَكَيَّفَتْ نَفْسُهُ بِالْكَيْفِيَّةِ الرَّدِيئَةِ، انْبَعَثَ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ، فَيَتَضَرَّرُ. قَالُوا وَلَا يُسْتَنْكَرُ هَذَا، كَمَا لَا يُسْتَنْكَرُ انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنَ الْأَفْعَى تَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ، فَيَهْلَكُ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدِ اشْتُهِرَ عَنْ نَوْعٍ مِنَ الْأَفَاعِي أَنَّهَا إِذَا وَقَعَ بَصَرُهَا عَلَى الْإِنْسَانِ هَلَكَ فَكَذَلِكَ الْعَائِنُ.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَنْبَعِثَ مِنْ عَيْنِ بَعْضِ النَّاسِ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ، فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ، وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: قَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِخَلْقِ مَا يَشَاءُ مِنَ الضَّرَرِ عِنْدَ مُقَابَلَةِ عَيْنِ الْعَائِنِ لِمَنْ يَعِينُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ قُوَّةٌ وَلَا سَبَبٌ وَلَا تَأْثِيرٌ أَصْلًا، وَهَذَا مَذْهَبُ مُنْكِرِي الْأَسْبَابِ وَالْقُوَى وَالتَّأْثِيرَاتِ فِي الْعَالَمِ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ سَدُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَابَ الْعِلَلِ وَالتَّأْثِيرَاتِ وَالْأَسْبَابِ، وَخَالَفُوا الْعُقَلَاءَ أَجْمَعِينَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ قُوًى وَطَبَائِعَ مُخْتَلِفَةً، وَجَعَلَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا خَوَاصَّ وَكَيْفِيَّاتٍ مُؤَثِّرَةً، وَلَا يُمْكِنُ لِعَاقِلٍ إِنْكَارُ تأثير الأرواح في
(١) أخرجه البزار بسند حسن بمعناه (٢) أخرجه النسائي وابن ماجه، والترمذي وحسنه
1 / 122