Daawada Nabiga
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Daabacaha
دار الهلال
Lambarka Daabacaadda
-
Goobta Daabacaadda
بيروت
الطَّبِيبُ يُقَالُ لَهُ: طَبٌّ أَيْضًا. وَالطِّبُّ: بِكَسْرِ الطَّاءِ: فِعْلُ الطَّبِيبِ، وَالطُّبُّ بِضَمِّ الطَّاءِ: اسْمُ مَوْضِعٍ، قَالَهُ ابن السيد، وَأَنْشَدَ:
فَقُلْتُ هَلِ انْهَلْتُمْ بِطُبِّ رِكَابِكُمْ ... بِجَائِزَةِ الْمَاءِ الَّتِي طَابَ طِينُهَا
وَقَوْلُهُ ﷺ: «مَنْ تَطَبَّبَ»، وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ طَبَّ، لِأَنَّ لَفْظَ التَّفَعُّلِ يَدُلُّ عَلَى تَكَلُّفِ الشَّيْءِ وَالدُّخُولِ فِيهِ بِعُسْرٍ وَكُلْفَةٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، كَتَحَلَّمَ وَتَشَجَّعَ وَتَصَبَّرَ وَنَظَائِرِهَا، وَكَذَلِكَ بَنَوْا تَكَلَّفَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَيْسُ عَيْلَانَ وَمَنْ تَقَيَّسَا
وَأَمَّا الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ، فَإِيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، فَإِذَا تَعَاطَى عِلْمَ الطِّبِّ وَعَمَلَهُ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ بِهِ مَعْرِفَةٌ، فَقَدْ هَجَمَ بِجَهْلِهِ عَلَى إِتْلَافِ الْأَنْفُسِ، وَأَقْدَمَ بِالتَّهَوُّرِ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ، فَيَكُونُ قَدْ غَرَّرَ بِالْعَلِيلِ، فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لِذَلِكَ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ العلم.
وقال الخطابي: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُعَالِجَ إِذَا تَعَدَّى، فَتَلِفَ الْمَرِيضُ كَانَ ضَامِنًا، وَالْمُتَعَاطِي عِلْمًا أَوْ عَمَلًا لَا يَعْرِفُهُ مُتَعَدٍّ، فَإِذَا تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ التَّلَفُ ضَمِنَ الدِّيَةَ، وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْمَرِيضِ وَجِنَايَةُ الْمُتَطَبِّبِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الفقهاء على عاقلته.
قُلْتُ: الْأَقْسَامُ خَمْسَةٌ: أَحَدُهَا: طَبِيبٌ حَاذِقٌ أَعْطَى الصَّنْعَةَ حَقَّهَا وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ، فَتَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، وَمِنْ جِهَةِ مَنْ يَطِبُّهُ تَلَفُ الْعُضْوِ أَوِ النَّفْسِ، أَوْ ذَهَابُ صِفَةٍ، فَهَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهَا سِرَايَةُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَهَذَا كَمَا إِذَا خَتَنَ الصَّبِيَّ فِي وَقْتٍ، وَسِنُّهُ قَابِلٌ لِلْخِتَانِ، وَأَعْطَى الصَّنْعَةَ حَقَّهَا، فَتَلِفَ الْعُضْوُ أَوِ الصَّبِيُّ، لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ إِذَا بَطَّ مِنْ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ مَا يَنْبَغِي بَطُّهُ فِي وَقْتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي فَتَلِفَ بِهِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَهَكَذَا سِرَايَةُ كُلِّ مَأْذُونٍ فِيهِ لَمْ يَتَعَدَّ الْفَاعِلُ فِي سَبَبِهَا، كَسِرَايَةِ الْحَدِّ بِالِاتِّفَاقِ. وَسِرَايَةُ الْقِصَاصِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لأبي حنيفة في إيجابه الضمان بها، وسراية التعزيز، وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَالْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ، وَالْمُسْتَأْجِرِ الدَّابَّةَ، خِلَافًا لأبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ فِي إِيجَابِهِمَا الضَّمَانَ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ ضَرْبَ الدَّابَّةِ.
1 / 103