يمكن أن يصبح الناس ثنائيي الثقافة في أي وقت خلال حياتهم؛ في مرحلة الطفولة، عندما يولد الطفل في أسرة ثنائية الثقافة؛ وعندما يلتحق الطفل بالمدرسة؛ وفي مرحلة المراهقة، إذا انتقل الشاب من ثقافة إلى أخرى؛ وبالطبع في مرحلة البلوغ، كحال المهاجرين الذين يستقرون في دولة جديدة ويصبحون بمرور السنين ثنائيي الثقافة. بالنسبة إلى الحالة الأخيرة، خضعت المراحل التي تحدث في حالة الهجرة لدراسة مستفيضة؛ وهي الوصول والعزلة والصدمة الثقافية والتكيف السريع بنحو أو بآخر مع ثقافة الدولة المضيفة. تتأثر هذه المرحلة الأخيرة بحجم المجموعة المهاجرة وتركزها، وعدد الأطفال في الأسرة، وموقف الدولة المضيفة تجاه المجموعة المعنية، وما إلى ذلك. يرد في الكتابات ذات الصلة أيضا الصورة المثالية التي توجد لدى المهاجرين عن وطنهم الأم، والصدمة التي يتعرضون لها عند العودة إليه ورؤية أنه لم يعد مثلما يرونه في أحلامهم وذكرياتهم، والتقبل شبه الدائم لكونهم مهاجرين. كتبت نانسي هيوستن تقول:
بمرور الوقت، يقل تواصلك مع «وطنك الأم» ويصبح على فترات أبعد ... يتقدم العمر بوالديك، ويغير إخوتك وظائفهم و/أو شركاء حياتهم، ويصبح لديهم أطفال، ويتزوجون مرة أخرى، ويتركون شركاء حياتهم مرة أخرى، ولا تستطيع مجاراة كل هذه الأحداث، ويصبح الغرباء الذين كانوا يحيطون بك عند مجيئك لأول مرة، أبناء وطنك؛ فقد أصبح الآن مصيرهم هو الأهم بالنسبة إليك؛ لأنه أصبح مصيرك أنت أيضا.
3
قد يعيش الأشخاص الثنائيو الثقافة بأكثر من ثقافتين أساسيتين، بناء على خط سير حياتهم. يعبر الشكل
10-2
عن شخص ثلاثي الثقافة تهيمن على حياته حاليا الثقافة «ب»، وتليها في الأهمية الثقافة «ج»، ثم الثقافة «أ».
شكل 10-2: الأهمية النسبية لثلاث ثقافات لشخص ثلاثي الثقافة (الثقافة «ب» هي الثقافة السائدة، تليها الثقافة «ج»، ثم الثقافة «أ»). (2) سلوك الأشخاص الثنائيي الثقافة
قد يجد الأشخاص الثنائيو اللغة، الذين هم أيضا ثنائيو الثقافة، أنفسهم في مواضع مختلفة في تسلسل خاص بالمواقف يتطلب سلوكيات مختلفة وفقا لكل موقف. على أحد طرفي التسلسل، يكونون في وضع أحادي الثقافة، نظرا لتعاملهم مع أشخاص أحاديي الثقافة، أو مع أشخاص ثنائيي الثقافة يشتركون معهم في ثقافة واحدة فقط؛ في هذا الموقف لا بد لهم من عدم تفعيل ثقافاتهم الأخرى قدر استطاعتهم. وعلى الطرف الآخر من التسلسل، قد يجدون أنفسهم يتعاملون مع ثنائيي ثقافة آخرين يشاركونهم ثقافاتهم نفسها؛ في هذه الحالة، سيستخدمون معهم ثقافة أساسية يتواصلون من خلالها معهم (سلوكيات هذه الثقافة ومواقفها ومعتقداتها)، ويدخلون الثقافة الأخرى، في شكل تبديلات واقتباسات ثقافية، متى أرادوا ذلك.
دعنا نستعرض هاتين الحالتين بمزيد من التفصيل. في حالة الوضع الأحادي الثقافة، يحاول الأشخاص الثنائيو الثقافة تطبيق شعار «إذا كنت في روما، فافعل مثل أهل روما.» فإذا كانت معرفتهم بالثقافة المعنية كافية (تماما مثل وجود معرفة كافية بإحدى اللغات التي لا بد من استخدامها)، ومن ثم يستطيعون عدم تفعيل ثقافاتهم الأخرى على الأقل إلى حد كبير ، فإنهم يمكنهم التصرف على نحو مناسب. ومن ثم ، يعرف كثير من الأشخاص الثنائيي الثقافة كيفية التعامل مع مواقف مثل الترحيب بمعارف لهم في المنزل، وعقد اجتماع في العمل، والتعامل مع الأقارب الأحاديي الثقافة، والتعامل تجاريا مع الإدارة المحلية، وارتداء ملابس مناسبة للسياق، إلى آخره.
مع ذلك، بسبب عنصر المزج في الثنائية الثقافية قد لا يمكن أن تتكيف سلوكيات ومواقف ومشاعر معينة بالكامل مع أحد المواقف، وربما تكون بدلا من ذلك مزيجا من ثقافتي المرء (أو ثقافاته). يكون هذا الشكل من التداخل الثقافي الثابت عاملا للتمييز بين الثنائية اللغوية والثنائية الثقافية؛ فيستطيع الأشخاص الثنائيو اللغة عادة عدم تفعيل إحدى اللغات واستخدام الأخرى فقط في مواقف معينة، بينما لا يستطيع ثنائيو الثقافة عادة عدم تفعيل سمات معينة في ثقافتهم الأخرى عندما يكونون في بيئة أحادية الثقافة. سأقدم لك بعض الأمثلة على هذا: لا يكون أسلوب التحية لدي أحادي الثقافة بالكامل عندما يجب أن يكون كذلك، على الرغم مما أبذله من جهد لأتصرف على النحو الصحيح في كل ثقافة من ثقافاتي الأربع التي أتعامل بها مع الآخرين. عندما أكون في إنجلترا، أميل للسلام باليد في نهاية الزيارة بينما يكفي التلويح البسيط باليد (فالسلام باليد يكون في بداية اللقاء، عادة، ولا يتكرر في النهاية). كذلك يمثل تقبيل الصديقات عند تحيتهن مشكلة؛ من هن السيدات اللاتي يمكن تقبيلهن، وكم مرة؟ لنفكر في الأمر؛ في إنجلترا والولايات المتحدة، إذا سمح بالتقبيل فإنه يكون قبلة قصيرة في الهواء؛ أما في فرنسا، فإن التقبيل يكون على الوجنتين؛ أما في سويسرا، فإن التقبيل يكون ثلاث مرات. تصبح الأمور أكثر تعقيدا عندما تقابل صديقة سويسرية في فرنسا. (هل يجب تقبيلها مرتين كما يحدث في فرنسا، أم ثلاث مرات على الطريقة السويسرية؟) أخيرا، عند محاولة جذب انتباه النادل في مقهى فرنسي، لا أستطيع أن أكون صريحا مثل الزبون الفرنسي العادي؛ فبدلا من أن أناديه:
Bog aan la aqoon