الأمر المذهل هنا أنه في المجتمعات الثنائية اللغة تنمو لدى بعض الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يتعاملون على نطاق واسع مع الناس - مثل أصحاب المحلات ومندوبي المبيعات وضباط الشرطة وغيرهم - بعض المهارة في كيفية تحديد اللغة التي يستخدمونها مع من يتعاملون معهم؛ فيتخذون قرارهم بناء على علامات مثل تصرفات الشخص وملابسه وتعبيرات وجهه، وعادة ما يكونون على حق.
بالنسبة إلى الفئة التالية، وهي الموقف، فإن مكان عملية التواصل أحد العوامل المهمة في اختيار اللغة؛ فعلى سبيل المثال: في مجتمع باراجواي الثنائي اللغة، يميل المرء إلى استخدام اللغة الجوارانية عند الحديث مع شخص في الريف، لكنه يستخدم الإسبانية في المدن.
4
وفي أماكن أخرى، قد يتحدث أعضاء الأقليات لغة الأغلبية عند وجودهم معا في أماكن عامة، ويستخدمون لغتهم في منازلهم (لاحظت هذا في الشباب القادمين من شمال أفريقيا الذين يعيشون في فرنسا). تمثل رسمية الموقف أيضا عاملا مهما؛ فعلى سبيل المثال: في سويسرا لا يستخدم عادة أعضاء الحكومة الفيدرالية اللغة الألمانية السويسرية عند إلقائهم خطابا في التليفزيون (بل يستخدمون الألمانية)، على الرغم من أنهم قد يستخدمونها وهم ذاهبون إلى الاستوديو لإلقاء الخطاب، ومع أصدقائهم وزملائهم بعد ذلك. بالطبع يكون وجود أشخاص أحاديي اللغة أحد العوامل المهمة للغاية؛ فكثيرا ما رأيت الموقف التالي: تتحدث مجموعة من الأشخاص بلغة ما معا حتى يأتي شخص أحادي اللغة يتحدث لغة أخرى، فيتحول الجميع إلى استخدام هذه اللغة من أجل إشراك هذا الشخص في الحديث؛ لكن تتحول هذه المجموعة مرة أخرى إلى استخدام اللغة الأولى عندما يجري هذا الشخص الأحادي اللغة حوارا جانبيا، أو عندما يتنحى جانبا لبضع دقائق! للأسف، قد يتعرض المرء إلى الإقصاء أحيانا لأنه لا يجيد لغة الآخرين (أو لا يجيدها بالقدر الكافي). يمكن أن يكون هذا أمرا محبطا للغاية، وعادة ما ينتهي هذا الموقف سريعا؛ فإما يذهب الشخص وإما يشركه الآخرون في حديثهم، حتى إن كان هذا يعني أن يترجم له شخص ما النقاط الأساسية التي يتحدثون عنها.
فيما يتعلق بمحتوى التفاعل، فقد ناقشنا هذا بالفعل عند تناولنا مبدأ التكامل؛ فبعض الموضوعات يفضل ببساطة الحديث فيها بلغة معينة دون الأخرى، وقد يغير ثنائيو اللغة، عند تحدث بعضهم مع بعض، اللغة الأساسية عند تغييرهم للموضوعات. في باراجواي مرة أخرى، يجري التعامل في المدارس والمسائل القانونية والتجارية باللغة الإسبانية بدلا من اللغة الجوارانية. أنا أعرف أنني أغير اللغة الأساسية عندما أتحدث، على سبيل المثال، عن علم النفس المعرفي مع ابني، الذي أتحدث معه عادة بالفرنسية؛ فكلانا لديه مفردات أكبر باللغة الإنجليزية في هذا المجال، ومن الأسهل علينا الانتقال إلى التحدث بهذه اللغة عندما نريد الحديث عن بعض الأبحاث الحديثة.
أخيرا، بالنسبة إلى الفئة الرابعة - الغرض من التفاعل - لا بد أن نضع في أذهاننا أن الناس يتواصلون عادة من أجل تحقيق شيء ما، وليس لمجرد نقل معلومات إلى شخص آخر؛ لذا يوجد كثير من الأمثلة على اختيار لغة معينة من أجل رفع مكانة المرء، أو لخلق مسافة اجتماعية، أو لإقصاء شخص ما، أو لطلب شيء ما، أو لإعطاء أحد الأوامر؛ على سبيل المثال: ذكر جيرارد هوفمان في دراسة أجراها أن بعض المشرفين على العمال البورتوريكيين في المجتمع البورتوريكي في مدينة جيرسي سيتي، في ولاية نيوجيرسي، يغيرون لغاتهم عند تغيير الأدوار التي يؤدونها؛ فيتحدثون بالإسبانية إلى غيرهم من البورتوريكيين أثناء وقت الغداء، لكنهم يتحدثون معهم بالإنجليزية أثناء ساعات العمل، عندما يتحولون لدور المشرفين على العمال.
5
أما فيما يتعلق بإقصاء شخص ما، فجميع الأشخاص الثنائيي اللغة «يتلاعبون» باختيار اللغة، على الرغم من تعرضهم دوما لخطر تحول الموقف إلى موقف محرج يأتي بنتائج عكسية. أخبرتني سيدة شابة أمريكية من أصل يوناني ذات مرة عن موقف حدث لها عندما كانت تجلس في مطعم مزدحم بالطلاب مع صديقة تتحدث معها عادة بالإنجليزية. ثم تحولتا إلى الحديث باليونانية حتى يستطيعا التعليق على الناس من حولهما، ظنا منهما أن أحدا لن يفهمها. وبعد بضع دقائق، طوى أحد الأشخاص الذي تحدثتا عنه صحيفته، والتفت إليهما وقال لهما بابتسامة عريضة «إلى اللقاء» باليونانية.
تفسر عدة عوامل مجتمعة عادة سبب اختيار الأشخاص الثنائيي اللغة للغة التي يستخدمونها، وتكون لبعض العوامل أهمية أكبر من عوامل أخرى. كتبت جوان روبن، في كتابها الكلاسيكي عن الثنائية اللغوية الجوارانية-الإسبانية في باراجواي، تقول إن ثمة ثلاثة عوامل (وهي: الريف، والمدرسة، والوظائف العامة في العاصمة) تحدد بوضوح اللغة المستخدمة (الجوارانية بالنسبة إلى العامل الأول، والإسبانية بالنسبة إلى العاملين الآخرين)، لكن العوامل الأخرى من الأفضل وضعها في شجرة قرار من أجل ترتيبها.
6
Bog aan la aqoon