3
أما فيما يتعلق باستراتيجية وقت اللغة، فإنها تعتمد على عامل عشوائي للغاية - وقت معين من اليوم، ويوم معين من الأسبوع - ولا تحقق نجاحا كبيرا، على الأقل على نطاق الأسرة. وعلى الرغم من هذا، تستخدم هذه الاستراتيجية في برامج الانغماس اللغوي وبرامج التعليم الثنائية اللغة (انظر الفصل التاسع عشر)، وتحقق نجاحا في هذا المناخ.
أما الاستراتيجية الأخيرة، وهي استراتيجية التبادل الحر، فهي حتى الآن الأكثر طبيعية، لكن نسبة نجاحها تقل بسبب حقيقة أن لغة الأغلبية ستصبح هي السائدة مع قضاء الطفل مزيدا من الوقت في المدرسة وخارج المنزل، فضلا عن الأصدقاء الذين يتحدثون لغة الأغلبية ويأتون إلى منزله.
أيا كانت الاستراتيجية التي يستخدمها الوالدان، فبمجرد بدء اكتساب الثنائية اللغوية، يجب أن تستمر الأسرة في مراقبة البيئة للتأكد من أن لدى الطفل حاجة فعلية لكلتا اللغتين، والتأكد من تعرضه بقدر كاف لكلتيهما. يجب أن يأتي التعرض من التفاعل البشري المباشر (مثل التحدث إلى الطفل أو اللعب معه أو القراءة له)، وليس من الأنشطة السلبية مثل مشاهدة التليفزيون أو مواد على أقراص الدي في دي. ومن أجل زيادة التعرض للغة، وتقليل العبء الواقع على الوالدين، يفضل لو كان بإمكان الوالدين الحصول على مساعدة من أفراد الأسرة الكبيرة ومسئولي رعاية الطفل الآخرين، ولو كان بالإمكان أيضا أن يتفاعل الطفل مع أطفال آخرين يتحدثون اللغتين ذاتيهما.
يوجد جانب مهم يجب على الوالدين الانتباه له، وهو: إن كان ممكنا، يجب أن يجد الأطفال أنفسهم، في أوقات مختلفة، في وضع أحادي اللغة في كل من لغتيهم (ارجع للفصل الرابع). يعني هذا أن يتواصل الأطفال بانتظام مع متحدثين أحاديي اللغة في كل لغة من لغتيهم، وهذا على عكس ما يحدث في المنزل حيث يكون أحد والديهم على الأقل ثنائي اللغة (إن لم يكن الاثنان). يوجد سببان لهذا؛ أولا: سيحصل الأطفال على مدخلات لا تحتوي على عمليات تبديل لغوي أو اقتباس، وهي عناصر من اللغة الأخرى تظهر عادة عند حديث ثنائيي اللغة بعضهم مع بعض. وثانيا: يسمح هذا للأطفال بتعلم كيفية التحرك عبر تسلسل الوضع اللغوي، ومن ثم يكيفون حديثهم مع طبيعة الموقف والمستمع. وكما رأينا في الفصل السابق، يتعلم الأطفال بسرعة متى يتحدثون لغة معينة في موقف معين، وإذا كان الوضع اللغوي أحادي اللغة، يتعلمون كيف يعطلون لغتهم الأخرى. عندما يكون المنزل ثنائي اللغة، يكون ببساطة من السهل التحول إلى الوضع الثنائي اللغة؛ فيدخل الوالدان كلمات من اللغة الأخرى، وحتى إنهما يتحولان أحيانا إلى استخدام اللغة الأقوى عند حديثهما أحدهما مع الآخر، أو عندما يريدان التأكد من فهم أطفالهما لما يقولانه. ويميل الأطفال إلى تقليد والديهم، وبالتدريج يزيد حضور اللغة السائدة حتى تحل محل لغة الأقلية. تعبر عالمة اللغة واختصاصية باثولوجيا الكلام سوزان دوبكا عن هذا جيدا في تخيلها للطريقة التي ربما يقرر بها الطفل تفضيل إحدى لغتيه:
أمي تتحدث بالإنجليزية أو اليونانية معي، ويتحدث الآخرون معي بالإنجليزية؛ ومن ثم، أستطيع اختيار الحديث بالإنجليزية أو اليونانية مع أمي، لكن لأني أستمع إلى الإنجليزية أكثر من اليونانية، فإنه من الأسهل استخدام الإنجليزية. فما الذي يدفعني إلى استخدام اليونانية؟
4
إذا لم يتوافر للأسرة مجتمع من حولها يتحدث لغة الأقلية به متحدثون أحاديو اللغة، فلا شك أن العثور على سبل لوضع الطفل في وضع أحادي اللغة في لغة الأقلية يكون أمرا صعبا، ويتطلب قدرا من الإبداع. فعندما عاد والدا سيرل وبيير إلى الولايات المتحدة من سويسرا، فعلا عدة أشياء من أجل الحفاظ على لغة الطفلين الفرنسية، وعلى ثنائيتهما اللغوية في الإنجليزية والفرنسية؛ فعلى سبيل المثال: بحثا عن الأسر الفرنسية التي وصلت حديثا إلى أمريكا، والتي لديها أطفال في الأعمار نفسها، وجمعوا الأطفال معا ليتيحوا لهم فرصة تكوين صداقات. نجح الأمر مع واحد أو اثنين من الأطفال الفرنسيين، وهكذا طوال عدة شهور، بينما كان هؤلاء الأطفال يكتسبون اللغة الإنجليزية، كان سيرل وبيير يتحدثان مع أطفال فرنسيين أحاديي اللغة، ويلعبان معهم باللغة الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، دعا الوالدان أصدقاء الصبيين الذين تعرفا عليهما في سويسرا لزيارتهم في الولايات المتحدة في الصيف؛ ونظرا لأن هؤلاء الأطفال كانوا أحاديي اللغة تماما، لم يكن أمام سيرل وبيير إلا أن يتحدثا معهم بالفرنسية. أخيرا، حاولت الأسرة الذهاب إلى سويسرا وفرنسا مرة كل عام من أجل غمس سيرل وبيير في لغتهما الأخرى، التي أصبحت الآن اللغة الأضعف.
إن ما يثير الاهتمام في الحيل التي استخدمها هذان الوالدان أنها كانت طبيعية إلى حد كبير؛ فقد وضعا الطفلين في مواقف يحتاجان فيها إلى لغتهما غير السائدة؛ لذا اضطرا إلى استخدامها. فقد تعلم والداهما بسرعة كبيرة، مثل كثيرين غيرهما، أن إجبار الطفل على الالتزام بلغة واحدة فقط في حين أن المستمع إليه يعرف كلتا لغتيه يؤدي إلى شعور الجانبين بالإحباط. طالما قلت، بابتسامة ، إن الآباء الثنائيي اللغة إلى حد كبير لا يجيدون التعامل مع اللغة الأضعف لدى أطفالهم، وبالتالي مع ثنائيتهم اللغوية؛ لكن يمكنهم تعويض ذلك عن طريق وضع أطفالهم في مواقف طبيعية يحتاجون فيها فعليا إلى استخدام لغتهم الأضعف. (2) دعم الأسرة
لا يجب فقط أن يحصل الأطفال الثنائيو اللغة على دعم من أسرتهم (تذكر أني أدرجت والدي الطفل وجدوده، بالإضافة إلى أفراد الأسرة الكبيرة ومسئولي رعاية الطفل الآخرين تحت هذا المصطلح)، إن كان هذا ممكنا؛ وإنما يجب أيضا أن تحصل الأسرة نفسها على مساعدة من الآخرين. ما أفكر فيه هو الدعم من الأقارب والأصدقاء، وأيضا من الذين يلعبون دورا مهما في عالم الطفل الصغير، مثل المعلمين والأطباء علماء النفس واختصاصيي التخاطب. تذهلني طوال الوقت الخرافات والأفكار النمطية التي تتناقلها الأسر، وأنواع «النصائح» التي يحصلون عليها؛ على سبيل المثال: تزخر الكتابات في هذا المجال بإفادات عن معلمين يزورون منازل المتحدثين بلغة الأقلية ليطلبوا من الأسرة عدم تربية الطفل على الثنائية اللغوية، وليخبروهم بأن الأسرة لا بد أن تتحدث فقط بلغة الأغلبية، وذلك كما ذكر ريتشارد رودريجيز في سيرته الذاتية «نهم الذاكرة».
Bog aan la aqoon