أما فيما يتعلق باختيار اللغة، فسأذكر حالة طفلين صغيرين، هما ماريو وكارلا، اللذين اكتسبا الإنجليزية والإسبانية في وقت واحد. يصف والدهما، عالم الأنثروبولوجيا وعالم اللغة ألفينو فانتيني، العوامل التي وجهت اختيار طفليه للغة التي يستخدمانها. كانت تشبه هذه العوامل إلى حد كبير تلك التي توجه البالغين؛ على سبيل المثال: عندما كان الطفلان يعرفان مستمعهما، كانا يختاران اللغة المناسبة له، وعندما لا يكون الأمر كذلك، فإن البيئة تكون هي العامل المهم؛ ففي بيئة إسبانية (في المكسيك أو بوليفيا، على سبيل المثال) كانا يستخدمان الإسبانية، وفي بيئة إنجليزية (مثل الولايات المتحدة) كانا يستخدمان الإنجليزية، لكن هذا فقط إن كانا يعلمان أن المستمع لا يتحدث بالإسبانية. وكان الهاتف والراديو والتليفزيون امتدادا للبيئة؛ لذا كانا يندهشان للغاية عندما يسمعان صوتا يتحدث بالإسبانية في الإذاعة في ولاية فيرمونت. وإن كانا لا يعرفان المستمع لكن تبدو ملامحه «لاتينية»، فإنهما يبدآن الحديث بالإسبانية، لكنهما قد يتحولان إلى الإنجليزية إذا لم يجب الشخص الآخر. كذلك كان مستوى طلاقة المستمع أحد العوامل المهمة؛ وأحد الأشياء التي كانا يستطيعان الحكم عليها وهما لا يزالان في سن الرابعة؛ فإذا لاحظ ماريو وكارلا أن الشخص كان يستخدم لغته الأضعف في التواصل معهما، كانا يختاران استخدام اللغة الأخرى.
5 (فعلى عكس البالغين، لا يكون الأطفال مستعدين للسماح لأحد الأشخاص بالتدريب على لغته الأضعف معهم.) توضح دراسة فانتيني، بالإضافة إلى دراسات أخرى، أن الأطفال الصغار الثنائيي اللغة يطورون سريعا عملية اتخاذ قرار يكون فيها المستمع هو العامل الأساسي في اختيار اللغة، ويليه الموقف، ثم الهدف من التواصل. هذا وقد تظهر عوامل أخرى، مثل موضوع التواصل، في وقت لاحق.
يتعلم الأطفال بسرعة إلى أي مدى يكون سلوك التبديل اللغوي مسموحا به في عملية التواصل. سجلت اختصاصية علم اللغة النفسي إليزابيث لانزا تواصل طفلة ثنائية اللغة في اللغتين النرويجية والإنجليزية في الثانية من عمرها (وتدعى سيري) مع والدتها الأمريكية ووالدها النرويجي، اللذين كانا هما أيضا ثنائيي اللغة. الأمر المثير للاهتمام أن الأم كانت كثيرا ما تتظاهر بأنها أحادية اللغة، ولم تستخدم التبديل اللغوي قط مع سيري؛ أما الأب، على الجانب الآخر، فقد كان يتقبل ما تقوم به سيري من تبديل لغوي وكان يتجاوب معه. حللت إليزابيث لانزا ما يحدث من تواصل بين سيري ووالديها من حيث تسلسل سياق التواصل الأحادي اللغة والثنائي اللغة، وأوضحت بجانب ذلك عدة استراتيجيات خاصة بالوالدين؛ على سبيل المثال: وضعت في الطرف الأحادي اللغة من التسلسل استراتيجيتي: «الحد الأدنى من الفهم» و«التخمين الواضح»؛ هاتان هما الاستراتيجيتان اللتان استخدمتهما الأم على وجه الخصوص. في الاستراتيجية الأولى، الحد الأدنى من الفهم، يشير البالغ إلى أنه لا يفهم لغة الطفل الأخرى، وأما في الاستراتيجية الأخرى، يطرح أحد الوالدين على الطفل أسئلة يجاب عليها بنعم أو بلا باستخدام اللغة الأخرى. وفي الطرف الآخر الثنائي اللغة، نجد استراتيجيتين أخريين: «مواصلة الكلام» التي يسمح فيها للحوار بالاستمرار (مما يشير إلى أن الشخص البالغ قد فهم العنصر المضاف من اللغة الأخرى)، و«التبديل اللغوي» حيث يستخدم الشخص البالغ أيضا التبديل اللغوي في حواره مع الطفل (وهاتان هما الاستراتيجيتان اللتان استخدمهما والد سيري). إجمالا ، طوال فترة الدراسة (التي استمرت من سن الثانية إلى سن الثانية والنصف)، نتج عن استخدام هذه الاستراتيجيات نتائج مختلفة للغاية؛ فقد زاد عدد الكلمات التي أخذتها من اللغة الأخرى في حوارها مع والدها، الذي كان يتقبل التبديل اللغوي، مقارنة بوالدتها، التي لم تكن تتجاوب معه. ويعني هذا فيما يتعلق بالوضع اللغوي أن سيري كانت على الأرجح تستخدم وضعين لغويين مختلفين مع والديها؛ فقد كانت تميل إلى استخدام الوضع الأحادي اللغة مع والدتها، لكنها لم تستطع قط الالتزام به؛ إذ إنها كانت تستخدم التبديل اللغوي أحيانا معها، وكانت تستخدم وضعا ثنائي اللغة مع والدها.
6
درست اختصاصية علم اللغة الاجتماعي إريكا ماكلور التبديل اللغوي لسنوات عديدة، وتوجد أمثلة مثيرة للاهتمام إلى حد كبير في أبحاثها المبكرة عن الأطفال الأمريكيين الذين من أصل مكسيكي؛ فبالإضافة إلى ملاحظتها استخدام هؤلاء الأطفال التبديل اللغوي من أجل ملء الفجوات المتعلقة بالمفردات، اكتشفت أيضا أنهم يستخدمونه من أجل إزالة اللبس أو توضيح ما يقولونه منذ سن الثالثة. اكتشفت كذلك أن الأطفال الأصغر سنا كانوا يستخدمون التبديل اللغوي من أجل جذب الانتباه أو الاحتفاظ به، كأن يقول أحدهم:
Yo me voy a bajar, Teresa. Look! (أنا أنزل، يا تيريزا. انظري!) ويستخدمون التبديل اللغوي من أجل التأكيد، لكن في مراحل عمرية متقدمة، في سن الثامنة أو التاسعة، كما في:
Stay here, Roli. Te quedas aquì (ابقي هنا، يا رولي. ابقي هنا). أما حالات التبديل اللغوي التي تحدث في وقت لاحق، فهي تلك التي تستخدم من أجل التوضيح والتركيز على شيء معين، مثل:
Este Ernesto, he’s cheating (إرنست هذا، يغش).
7
تذكر كريستينا بانفي حالات من التبديل اللغوي لاحظتها لدى طفلتها أنابيل الثنائية اللغة في الإنجليزية والإسبانية، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف سنة؛ ففي إحدى المرات أدركت أنابيل وجود بعض الأشخاص الأحاديي اللغة داخل مجموعة الثنائيي اللغة التي تخاطبهم، ونظرا لأنها تريد إشراكهم في المفاجأة التي تقدمها، قالت:
Bog aan la aqoon