يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب. ويؤيد هذا التأويل قوله ﷺ (ليس في الصيام رياء) حدثنيه شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلًا قال: وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس، وهذا وجه الحديث عندي، انتهى. وقد روى الحديث المذكور البيهقي في "الشعب" من طريق عقيل، وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولًا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه (الصيام لا رياء فيه، قال الله ﷿: هو لي وأنا أجزي به) وهذا لو صح لكان قاطعًا للنزاع. وقال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث: (يدع شهوته من أجلي) وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلَّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ، بخلاف الصوم. وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم، بخلاف الصوم فإن حال الممسك شبعًا مثل حال الممسك تقربًا يعني في الصورة الظاهرة ...
ثانيها: أن المراد بقوله (وأنا أجزي به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ، وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله - قال الله - إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) أي أجازي عليه جزاءً كثيرًا من غير تعيين