وعندما نكرر القول بأن التبعية الغربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني هي المنطلق الأساسي للحداثيين فلا نكون قد خالفنا الصواب قيد أنملة، وذلك أن دلالة الحال والمقال من هؤلاء المرتمين تؤكد هذا المعنى.
ولنأخذ على ذلك مثالًا فيما نحن بصدده في مسألة الربوبية كلمات سوريالية هائمة للنصرانيّ الملحد أنسي الحاج (^١)، مجنون قصيدة النثر، وداعية التحرر التام، والتبعية التامة، يقول في كتابه "خواتم" الذي أصدرته مجلة الناقد: (أنت لا تشك في وجود اللَّه بل وجودك أنت، ولا تجد فاعلية بل على حظك، وبصياحك "اللَّه مات" لا تعني أنه اللَّه مات بل إنك تستفزه من قاع خوفك البهيم. . . لو استطاع الإنسان التخلص من الندم على الماضي ومن الأمل بمستقبل ما يلي الموت، هل كان يستغني عن فكرة اللَّه؟. . . العدم حقيقة حقًا: إنه فراغي أنا، عدمي الداخليّ. . .، ومع ذلك لا أستطيع إلّا أن أعجب أيضًا بمن ينكرك يا إلهي، كأني أمل بأن تشتبكا أمامي، أو كأنه هو أنا الآخر الذي ما زال رغم الإيمان ينتظر السانحة ليعلن استقلاله المطلق ويستأصل كل مخاوفه.
وأمضى فأصل إلى النتيجة: إعجابي بثورة الملحد وتجديفه سببه حريته المطلقة، التي في نكرانه التام للمسؤول الأكبر ولا مبالاته الناجزة بالثواب والعقاب بات يجني ثمارها دون أشواكها. . .) (^٢).
هذا الهذيان الإلحاديّ المتنقل بين عفونة الشك إلى قذارة العدمية والعبث إلى الإعجاب الشديد بالإلحاد وأهله يصدر من إنسان غرق في العمالة للغرب حتى الآذان، وارتبط بالمخابرات الأمريكية من خلال "منظمة