The Urgency of the Eager Aspirant in Producing the Book 'Daily and Nightly Actions' by Ibn al-Sunni
عجالة الراغب المتمني في تخريج كتاب «عمل اليوم والليلة» لابن السني
Daabacaha
دار ابن حزم للطّبَاعة وَالنشر وَالتَوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
Noocyada
عُجالةُ الرّاغِب المُتَمَنِّي
في تخريج كِتابِ
"عَمَلِ اليَوم وَالليلة"
لابن السُّنِّي
بقَلم
أبي أسَامة سَليم بن عيد الهلالي
u المجَلّد الأوّل
دار ابن حزم
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة للِناشِر
الطّبعَة الأولى
١٤٢٢هـ - ٢٠٠١ م
الكتب والدراسات التي تصدرها الدار تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها
دار ابن حزم للطّبَاعة وَالنشر وَالتَوزيع
بَيروت - لبنان - صَ ب: ٦٣٦٦/ ١٤ - تلفون: ٧٠١٩٧٤
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
أمّا بعد: فإنّ الأذكار والدعوات ريحانة القلب المؤمن يطمئن إليها، ويسكن بها.
عن أبي هريرة ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ يسير في طريق مكّة، فمرّ على جبل يقال له: جمدان، فقال: "سيروا هذا جمدان سبق المفرّدون"، قالوا: وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات" (١).
ووجه دلالة هذا الحديث: أن رسول الله ﷺ ربط بين الجبل وبين ذكر الله ﷿؛ لأن الأرض تسكن بالجبال؛ كما قال -تعالى-: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥]، وقال -سبحانه-: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١]، وقال- ﷿: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [لقمان: ١٠]، وكذلك القلب يسكن بذكر الله؛ كما قال الله -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ
_________
(١) أخرجه مسلم (٢٦٧٦).
1 / 5
اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)﴾ [الرعد: ٢٨].
ولذلك لم يجعل الله -سبحانه- للذكر حدًّا ينتهي إليه؛ فقال -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١)﴾ [الأحزاب: ٤١].
ووظّفه الله -تعالى- على العبد في جميع أحواله وكلِّ أحيانه: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٣]، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١]؛ أي: باللّيل، والنّهار، وفي البرّ، والبحر، وفي السّفر، والحضر، والغنى، والفقر، والسّرّ، والعلانية، والعسر، واليسر، والمنشط، والمكره.
وأقل ذلك: أن يلازم العبد الأذكار المأثورة، والدّعوات المشهورة عن معلم الخير ﷺ؛ كالأذكار المؤقتة طرفي النّهار، وزلفًا من اللّيل، وعند أخذ المضجع، وعند الاستيقاظ من النّوم، وأدبار السّجود، والأذكار المقيدة عند الأكل، والشرب، واللّباس، والجماع، ودخول المسجد، وبيت الخلاء، والخروج من ذلك، وعند المطر، والرّعد، والرّيح، ورؤية الهلال، إلى غير ذلك مما يستوعب أعمالَ العبدِ كلِّها، ويستغرق حياته جميعها.
وما زالت عنايةُ العلماء مستمرةٌ في خدمة هذا الباب الطيّب المبارك من أبواب السّنّة المطهّرة جمعًا، وانتقاءً، وتخريجًا، فكان من ذلك مصنفات قيّمة وهي المسماة: "عمل اليوم والليلة"، أو "الأذكار"، أو "الدعاء"؛ فمنها الوجيز النافع، والوسيط الماتع، والمبسوط الجامع.
وممن ضرب بسهم وافر في هذا العلم الإِمام أبو بكر بن السُّنّي- ﵀ في كتابه العجاب: "عمل اليوم والليلة"؛ فإنّه من أجلّ الكتب المسندة المصنّفة في الأذكار الموظّفة على أعمال اللّيل، والنّهار.
لكنَّ اللهَ ﷿ أبى أن يتمَّ إلا كتابه؛ فلم يسلم هذا الكتاب الفذّ المستطاب مما يعتري عمل ابن آدم؛ فوجهت همتي لتوثيق نصوصه، وتحقيقها، وتخريج أحاديثه وآثاره، وسميته: "عُجَالةُ الرَّاغِبِ المُتَمَنِّي في تَخريجِ كتابِ "عَمَلِ اليَومِ واللّيلةِ" لابن السّنّي".
1 / 6
فاللهَ أسألُ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى: أن يتقبّلَ منّي جُهْدَ المقلّ؛ نصرةً لدينه، وذبًّا عن سنّة رسول الله ﷺ، ونصحًا لعامة المسلمين وخاصتهم؛ إنه بكلّ جميل كفيلٌ، وهو حسبي ونعم الوكيل، وعلى الله قصدُ السبيل.
وكتبه
أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي السلفي الأثري
عمان البلقاء عاصمة جند الأردن
من بلاد الشام حرسها الله
يوم الخميس لخمس ليالٍ بقين من شهر شعبان
سنة ألف وأربع مئة وواحد وعشرين من هجرة
رسول الله ﷺ
1 / 7
ترجمة المصنف ﵀ -
• اسمه ونسبه ونسبته:
"هو الإِمام الحافظ، الثّقة: أبو بكر أحمد بن محمَّد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن عبد الله بن إبراهيم بن بُدَيح الدِّينَوَريّ، مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي ﵄.
قال السَمْعانيُّ في "الأنساب" (٧/ ١٧٦): "ولَعَلَّ بديحًا مولاه".
المعروف بـ "ابن السُّنِّيِّ"؛ قال السمعانيُّ في:"الأنساب" (٧/ ١٧٥)، وابنُ الأثير في "اللباب" (٢/ ١٤٩ - ١٥٠): "بضمّ السّين المهملة، وتشديد النّون المكسورة، وهذه النّسبة إلى السُّنَّة التي هي ضدُّ البدعة، ولمّا كثُر أهلُ البدع؛ خصّوا جماعة بهذا الانتساب".
• ولادته ونشأته ورحلاته:
قال الإِمام الذهبي في "سير أعلام النّبلاء" (١٦/ ٢٥٥): "ولد في حدود سنة ثمانين ومائتين".
والظاهر أنّه نشأ في بيت علم وأدب وصلاح؛ فإنّ دينَوَرَ مشهورة بهذا، كما قال ياقوت الحمويُّ في "معجم البلدان" (٢/ ٥٤٥).
وقد أكثر ﵀ التّرحالَ؛ فسمع الحديث بدمشق، وبغداد، والكوفة، والبصرة، والجزيرة، ومصر، وغيرها.
1 / 8
يدلّك على ذلك كثرةُ شيوخه من الحفّاظ المتقنين المشهورين بالعلم والحفظ، وكذا تلاميذه الذين أخذوا عنه.
• شيوخه:
سمع ﵀ الحديث من خلق كثيرين؛ أكثرهم من الحفاظ المشهورين المعروفين، ومن شيوخه:
١ - الإِمام الحافظ النّاقد أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ النَّسائيُّ، صاحب "السنن الكبرى"، و"السنن الصغرى"، وغيرهما، المتوفى سنة (٣٠٣هـ).
وابن السُّنِّىِّ هو راوي "السنن الصغرى"، وهي المعروفة بـ "المجتبى".
٢ - الإِمام الحافظ الثّقة أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، المتوفى سنة (٣٠٥ هـ).
٣ - الإِمام الحافظ الثقة أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي، صاحب "المسند"، و"معجم الشيوخ"، وغيرهما، المتوفى سنة (٣٠٧ هـ).
٤ - الإِمام الحافظ الثّقة أبو يحيى زكريا بن يحيى السَّاجي، المتوفى سنة (٣٠٧ هـ).
٥ - الإِمام الحافظ المفسّر محمَّد بن جرير الطبري، صاحب "جامع البيان"، و"تهذيب الآثار"، وغيرهما، المتوفى سنة (٣١٠ هـ).
٦ - الإِمام الحافظ الثّقة محمَّد بن الحسن بن قتيبة، المتوفى سنة (٣١٠ هـ).
٧ - الإِمام الحافظ الثّقة محمَّد بن محمَّد بن سليمان أبو بكر الباغندي، المتوفى سنة (٣١٢ هـ).
٨ - الإِمام الحافظ الثّقة عبد الله بن زيدان بن يزيد أبو محمَّد البجلي الكوفي، المتوفى سنة (٣١٣ هـ).
٩ - الإِمام الحافظ الثّقة أحمد بن منيع أبو القاسم البغوي، صاحب
1 / 9
"معجم الصحابة"، و"مسند علي بن الجعد"، وغيرهما، المتوفى سنة (٣١٧ هـ).
١٩ - الإِمام الحافظ الثّقة أبو عروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر الحرّاني، صاحب التصانيف الكثيرة، المتوفى سنة (٣١٨ هـ).
١١ - الإِمام الحافظ الثّقة أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا، المتوفى سنة (٣٢٠ هـ).
١٢ - الإمام الحافظ الثّقة أبو محمَّد يحيى بن صاعد، المتوفى سنة (٣٢٨ هـ).
١٣ - الإِمام الحافظ الثّقة الحسين بن إسماعيل بن سعيد بن أبان القاضي، المشهور بـ "المحاملي"، صاحب "الأمالي" المشهورة، المتوفّى سنة (٣٣٠ هـ).
١٤ - الإِمام الحافظ الثّقة الحسين بن عبد الله القطان.
وغيرهم كثير.
ومما ينبغي ملاحظته:
- أكثر المصنف ﵀ عن الإِمام النسائي، وأبي يعلى، وأبي عروبة الحراني، والبغوي؛ حيث روى جل أحاديث الكتاب من طريقهم.
- أكثر شيوخه ثقات، بل إن بعضهم كانوا أئمة أعلامًا مثل هؤلاء الأربعة.
- أن وفاة معظم شيوخه كانت ما بين (٣٠٣ هـ - ٣٢٠ هـ) وهذا يدل على علو إسناد ابن السُّنِّيِّ واهتمامه بالعلم، والتحصيل، والرحلة لذلك.
- عاش المصنف ﵀ في عصر نشطت فيه حركة التصنيف والجمع والرواية؛ لذلك كان ﵀ حريصًا كغيره من علماء ذلك العصر على تلقي العلم من أفواه الرجال؛ فسمع الحديث من كبار أهل العلم في ذلك الوقت.
1 / 10
• تلاميذه:
جدير بمن كانت هذه صفته أن يرحل إليه طلابُ العلم لِسماعِ ما عنده؛ رغبةً في علوّ الإسناد؛ لأنه سُنَّة عمن سلف؛ كما قال الإِمام أحمد (١).
ومن أبرزهم:
* أحمد بن عبد الله الأصبهاني.
* أحمد بن الحسين الكسّار.
* علي بن عمر الأسد أباذي.
* عبد الله بن عمر بن عبد الله أبو محمَّد الزاذاني.
* محمَّد بن علي العلوي.
وغيرهم كثير.
• ثناء العلماء عليه:
قال الإِمام الذّهبي في "تذكرة الحفّاظ" (٣/ ٩٣٩): "الحافظ الإِمام الثقة".
وقال (٣/ ٩٤٠): "وكان دَيِّنًا خيِّرًا صدوقًا".
وقال في "العبر في خبر من غبر" (٢/ ١١٩ - ١٢٠): " ... الحافظ ... رحل وكتب الكثير".
وقال في "سير أعلام النبلاء" (١٦/ ٢٥٥): "الإِمام الحافظ الثقة الرّحّال".
وقال السُّبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (٢/ ٩٦): "وكان رجلًا صالحًا فقيهًا شافعيًا".
وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في "توضيح المشتبه" (٥/ ١٩٤)، والحافظ ابن حجر في "تبصير المنتبه" (٢/ ٧٥٤): "الحافظ أبو بكر أحمد بن محمَّد بن إسحاق الدينَوَري ابن السُّنّيّ صاحب التصانيف". وكذا وصفه السخاوي في "الإعلان بالتوبيخ" (ص ٢٩٧) بالحافظ.
_________
(١) "فتح المغيث" (٣/ ٣٣٣).
1 / 11
• مصنفاته:
١ - "عمل اليوم، والليلة"، وهو بين يديك.
٢ - "القناعة" وهو من رواية علي بن عمر الأسد أباذي، وقد طبع بتحقيق عبد الله بن يوسف الجديع.
٣ - "الإيجاز في الحديث" (١).
٤ - "الضيافة" (٢).
٥ - "الطب" (٣).
٦ - "فضائل الأعمال" (٤).
٧ - "الصراط المستقيم" (٥).
٨ - "رواية الإخوة بعضهم عن بعض" (٦).
• وفاته:
قال علي بن أحمد بن محمَّد بن أبي بكر بن السُّنِّيّ: "كان أبي- ﵀ يكتب الأحاديث؛ فوضع القلم في أنبوبة المحبرة، ورفع يديه يدعو الله ﷿؛ فمات".
_________
(١) نسبه إليه عمر رضا كحّالة في "معجم المؤلفين" (٢/ ٨٠)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (١/ ٢٠٥)، وقال: "جمع فيه جوامع الكلم منه"، والبغدادي في "هدية العارفين" (١/ ٦٦).
(٢) نسبه إليه الرافعي في "التدوين في أخبار قزوين" (١/ ٤٥٦).
(٣) نسبه إليه السّيوطي في "اللآلىء المصنوعة" (٣/ ٢٥٤)، والمناوي في "فيض القدير" (١/ ٤٥٩)، والزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" (٧/ ٤١٩)، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص ١٥٦)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (٢/ ١٠٩٦)، وصِدِّيق حسن خان في "الحطّة بذكر الصّحاح السّتة" (ص ١٨٦).
قلت: منه نسخة في مكتبة الفاتح (٢٥٨٥)، ويقع في (٧٢) ورقة، وانظر: "تاريخ التراث العربي" (١/ ٤٩).
(٤) منه نسخة بمكتبة الأزهر (٤١٤٦)، ويقع في (١٢٩) ورقة.
(٥) منه نسخة في مكتبة تشيستربتي (٣٢٠٣)، ويقع في (١١٧) ورقة.
(٦) نسبه إليه السخاوي في "فتح المغيث" (٣/ ١٧٨ - ١٧٩).
1 / 12
وسئل عن وفاته؟ فقال: "في آخر سنة أربع وستين وثلاث مائة (٣٦٤ هـ) ".
﵀، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.
• مصادر ترجمته:
١ - "الإعلان بالتوبيخ" (ص ٢٦٧) للحافظ السّخاوي.
٢ - "الإكمال" لابن ماكولا (٤/ ٥١).
٣ - "الأنساب" للسمعاني (٧/ ١٧٦).
٤ - "تبصير المنتبه" للحافظ ابن حجر (٢/ ٧٥٤).
٥ - "تذكرة الحفّاظ" للذهبي (٣/ ٩٣٩ - ٩٤٠).
٦ - "توضيح المشتبه" لابن ناصر الدّين الدّمشقي (٥/ ١٩٤).
٧ - "سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٦/ ٢٥٥ - ٢٥٧).
٨ - "شذرات الذّهب" لابن العماد الحنبلي (٣/ ٤٧).
٩ - "طبقات الشافعيّة الكبرى" للسُّبكي (٢/ ٩٦).
١٠ - "العبر في خبر من غبر" للذهبي (٢/ ١١٩ - ١٢٠).
١١ - "اللّباب" لابن الأثير (٢/ ١٤٩ - ١٥٠).
١٢ - "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحّالة (٢/ ٨٠).
1 / 13
التعريف بكتاب "عمل اليوم والليلة"
١ - مادّة الكتاب وموضوعه (١):
قصد الإِمام ابنُ السُّنِّيّ ﵀ أن يكون كتابه هذا جامعًا لكل الأذكار والأوراد التي جاءت عن النبي ﷺ ليمارسها الإنسان ويؤديها في ليله ونهاره، وحلّه وترحاله، وصحّته ومرضه، وفي كلّ شأن من شؤونه؛ ولهذا سماه: "عمل اليوم والليلة"؛ لأن الحياة أو العمر الإنساني ما هو إلا صفحات من ليل ونهار، ولعله أخذ هذا الاسم من شيخه الإِمام العالم النّاقد النّسائي الذي يُعَدُّ من أوائل من ألّف في هذا الأمر.
وتناول المصنف ﵀ جزئيات الحياة اليومية من صلاة، وجهاد، ودخول مسجد، ووضوء، وبيع، وشراء، ونوم، ويقظة، وزيارة مريض، وحلول خير ونعمة، ووقوع مصيبة ونقمة، واشتعال حريق، أو إصابة بعين، ولقاء صديق، ووقوع في معصية وخطيئة، ومداهمة عدو؛ قولية كانت، أم فعلية، كلّ ذلك، وغيره مما وصل إلى المصنف أن النبي ﷺ قال فيه: شيئًا، أو علّم أصحابه فيه: شيئًا.
وهكذا تجده يتعرض لدقائقَ، وتفصيلاتِ الحياة اليومية: الفردية والاجتماعية، والأسرية، وأنه بجمع هذا الموضوع قد جسَّم لنا منهاج النبوة
_________
(١) من مقدّمة "عمل اليوم والليلة" للدكتور فاروق حمادة (ص ١٠٠ - ١٠٢) بتصرف.
1 / 14
في تعامله مع الحياة، وتفاعله مع الواقع، وممارسته للإنسانية التي تسير على الأرض.
إنه في الواقع معجمُ المُثُل والقِيَم الإِسلامية الشّاملة الذي أحاط بالجزئيات الصغيرة؛ ليربي مجتمعًا، وينشىء أمّة قويّة سليمة.
أما تسمية الكتاب؛ فهي بدورها في غاية الدّقّة؛ فاليوم هو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، والليل هو من غروب الشمس إلى طلوع ذاك الفجر، وكأن المصنف أراد التأكيد على أن كتابه يشمل وظائف ساعات اللّيل والنهار بدقّة وتفصيل، وقد صفا له ذلك -في الغالب- وحقّق ما هدف إليه ﵀.
٢ - منهج المؤلف في الكتاب:
• سلك الإِمام ابن السُّني ﵀ في جمعه لأحاديث الكتاب مسلك المحدثين الذين كانوا في عصره أو ممن سبقه، وبخاصة شيخه النسائي؛ فإنه صنع كتابه على منوال شيخه - رحمهما الله -.
• وقد أورد المصنف ﵀ الأسانيد من دون إشارة إلى تعليق، أو تخريج، كما أنّه لم يتحرّ في مروياته الصِّحّة، وإنّما روى الصّحيح والحسن والضعيف والموضوع، ولعل الذي دعا المحدثين لسلوك هذا المنهج في تآليفهم أنهم ساقوا الأسانيد؛ فبرئت ذمّتهم من العهدة؛ فمن أراد أن يتحقق من صحة تلك الأحاديث؛ فالسند أمامه، وعليه نقده نقدًا علميًا؛ كما هو معروف عند أهل هذا الشأن.
• مقارنة بين كتاب المصنف وكتاب شيخه النسائي "عمل اليوم والليلة" (١):
• أسند المصنف ﵀ من طريق شيخه النسائي أكثر من (١٣٠) حديثًا وهي موجودة في "عمل اليوم والليلة" له نصًّا، وسندًا، وقد
_________
(١) انظر: "عمل اليوم والليلة" (١٠٧ - ١٠٩) تحقيق الدكتور فاروق حمادة.
1 / 15
يكون روى بعض هذه الأحاديث عن شيخه النسائي لكن ليس في "عمل اليوم والليلة" وإنما في كتاب آخر مثل: "فضائل القرآن"، و"التفسير" ونحوها.
وباقي الأحاديث حاول أن يخرجها بإسناد أعلى ومن طريق آخر، فأسند كثيرًا من الأحاديث من طريق أبي يعلى الموصليّ، وأبي عروبة الحرّاني، وغالبها موجود في "سنن النّسائي".
- كما أن أسانيد ابن السُّنِّيّ من غير طريق النّسائي هي دون أسانيد النسائي بكثير؛ فابن السُّنِّيّ يخرج بعضها من طرق لا يرتضيها النّسائي، وليست على شرطه، وهذا فارق أساسي بين الكتابين، فالأحاديث التي تفرّد بها ابن السُّنّيّ أكثرها ضعيف بل وبعضها شديد الضعف وموضوع، بخلاف كتاب النسائي؛ فإنه يندر جدًّا فيه الضعيف شديدًا والموضوع، وابن السُّني لا يَخْرُجُ في تبويب كتابه عن إطار كتاب شيخه النسائي بل يتبعه أحيانًا حذو القذة بالقذة، حتى أنّه لم يأتِ مرتبًا على منهج؛ كما فعل شيخه النسائي- رحمهما الله-.
• والمصنف ﵀ في سياقه لفقرات موضوع الكتاب نجده يُعَنون له ويبوبه بعناوين دقيقة فيها الوعي والفهم.
ونلاحظ أن تبويبه لمواضيع الكتاب كان بطريقة منظمة مرتبة، وتأتي أحيانًا أبوابه متداخلة بعضها ببعض، ولا تنفصل بطريقة موضوعية، ويكرر أحيانًا أحاديث لكنه يضعها تحت عناوين وأبواب جديدة مستنبطًا منها دلالات أخرى، وإن كان هو في تكريره للأحايث ينوّع الأسانيد، وهذا منهج علمي معروف في عصر المؤلف ﵀، ولعل ذلك كلَّه استفاده من شيخه النسائي.
أيضًا أضاف المصنف ﵀ أبوابًا قليلة زيادة على كتاب شيخه، مثل:
* باب ما جاء في الزّهرة.
* باب ما جاء في كنى النساء.
1 / 16
* باب ما يقول إذا احتجم.
* باب ما يقول إذا أهلّ شهر رجب.
* باب اشتهاء المريض.
* باب مسألة المريض عن حاله.
* باب تطييب نفس المريض.
* باب ما يقول لمرضى أهل الكتاب.
* باب ما يقول إذا رأى سهيلًا، وغيرها.
• وأيضًا هناك أبواب في "عمل اليوم، والليلة" للنسائي لم يذكرها المصنف، مثل:
* باب ما يقول من حلف باللات والعزى.
* باب ما يقول إذا استراث الخبر.
* باب ما يؤمر به المشرك أن يقول.
* باب الكراهية في أن يقول الإنسان: نسيت آية كذا، وكذا.
* باب النهي أن يقول الرجل: اللهم ارحمني إن شئت.
* باب النهي أن يقول الرجل: اللهمّ اغفر لي إن شئت، وغيرها.
• إن الإِمام ابن السُّنّيّ لا يعلل الأحاديث مطلقًا، ولا يتكلم على الرجال من توثيق، أو تضعيف، وهذه من المميزات الهامّة لكتاب الإِمام النسائي.
1 / 17
إثبات نسبة الكتاب
إنّ نسبة كتاب "عمل اليوم والليلة" للإمام ابن السُّنِّيّ ثابتةٌ ثبوتًا قطعيًا؛ كالشمس في رابعة النهار؛ وذلك من وجوه كثيرة:
الأول: الإسناد المتصل إلى ابن السُّنِّىّ، وسيأتي التعريف برواته.
الثاني: كثرة السماعات الموجودة على نسخ الكتاب الخطية.
الثالث: ذكر كثير من العلماء هذا الجزء، ونسبوه إلى ابن السُّنّيّ، وقد وجدت نقولاتٍ كثيرة عن أهل العلم تثبت نسبة هذا الكتاب لمؤلفه، ولو أردت سردها لأخذت صفحات كثيرة، لكن أشير إلى بعضها إشارةً:
* كل من ترجم له نسب كتاب "عمل اليوم والليلة" له.
* نقل العلماء عنه:
فجميع من صنف في الأذكار كالنووي وابن تيمية وابن قيم الجوزية، والشوكاني نقل عنه، وأكثر، من ذلك الإِمام النووي في "الأذكار"، والحافظ ابن حجر في تخريجه المسمى "نتائج الأفكار"، وكذا السيوطي في "الدر المنثور"، و"الجامع الصغير".
* روى بعض العلماء أحاديث من كتابنا هذا بإسنادهم إلى ابن السُّنّيّ، نحو:
1 / 18
١ - قوّام السُّنة الأصبهاني في "الترغيب والترهيب".
٢ - عبد الغني المقدسي في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وغيره.
٣ - الحافظ الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة".
٤ - الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار".
وهذا من أقوى الأدلة على صحّة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، ولا شكَّ أن هذا يدل على اهتمام العلماء به، ورغبتهم أن يَرْوُوا أحاديثه العالية.
• ترجمة رواة النسخة الخطية (هـ) والمطبوعة (م)، وهذا سندها:
جاء على طرة النسخة (هـ) ما نصه:
أخبرنا الشيخ الإِمام العالم بقية السلف طراز الخلف ملحق بالأجداد فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي المقدسي قراءةً عليه -وأنا أسمع في سنة تسع وثمانين وستمائة (٦٨٩ هـ)،- قيل له: أخبرك الإِمام تاج الدين أبو اليُمْن -بضم الياء وسكون الميم- زيد بن الحسن بن زيد الكندي قراءة عليه وأنت تسمع في سنة اثنتين وستمائة (٦٠٢ هـ) فأقرَّ به، قال: أخبرنا الحافظ أبو الحسن سعد الخير بن محمَّد بن سهل الأنصاري قراءةً عليه وأنا أسمع في سنة أربعين وخمسمائة (٥٤٠ هـ) قال: أخبرنا الشيخ الإِمام شيخ الشيوخ أبو محمَّد عبد الرحمن بن حمد بن الحسين الدُّوني بها، قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين الكسّار الدينَوَري قال: أخبرنا الشيخ الإِمام أبو بكر أحمد بن محمَّد بن إسحاق السُّنِّيِّ الحافظ الدينوري.
١ - أبو نصر أحمد بن الحسين الكسّار الدينوري؛ إمام ثقة، مات بعد سنة (٤٣٣ هـ).
قال الإِمام الذّهبي في "سير أعلام النبلاء" (١٧/ ٥١٤): "القاضي الجليل العالم، وكان صدوقًا صحيح السماع ذا علم وجلالة".
1 / 19
انظر: "العبر في خبر من غبر" (٣/ ٥٤)، و"تاريخ الإِسلام" (٢٩٠/ ٣٧٦)، و"شذرات الذهب" (٣/ ٢٥٥).
٢ - أبو محمَّد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين الدُوني، المتوفى سنة (٥٠١ هـ).
قال السِّلَفي: "كان سفياني المذهب، ثقة".
وقال -أيضًا-: "وكان متقنًا ثبتًا ثقة".
وقال شيرويه: "كان صدوقًا متعبدًا".
وقال الذهبي: "الشّيخ العالم الزّاهد الصّادق ... ".
وقال -أيضًا-: "الرجل الصّالح راوي السُنن عن أبي نصر الكسّار، وكان زاهدًا عابدًا سفياني المذهب".
انظر: "سير أعلام النبلاء" (١٩/ ٢٣٩ - ٢٤٠)، و"العبر" (٢/ ٣٨٢)، و"التقييد" لابن نقطة (ص ٣٣٨)، و"شذرات الذهب" (٤/ ٣)، و"اللباب" (١/ ٥١٧)، و"معجم البلدان" (٢/ ٤٩٠).
٣ - أبو الحسن سعد الخير بن محمَّد بن سهل الأنصاري الأندلسي البلنسي، المتوفى سنة (٥٤١ هـ).
قال السمعاني: "خرج من بلنسية جماعة من العلماء منهم شيخنا أبو الحسن سعد الخير ... فقيه صالح ... وكان حريصًا على طلب الحديث".
وقال ابن الجوزي: "كان ثقة صحيح السماع".
وقال الذهبي: "الشيخ الإِمام المحدث المتقن الجوّال الرّحال ... وكان من الفقهاء والعلماء".
وقال ابن نقطة: "كان ثقة".
1 / 20
وقال ابن العماد الحنبليّ: "كان فقيهًا عالمًا متقنًا".
وقال ياقوت الحموي: "فقيه صالح ومحدّث مكثر".
انظر: "الأنساب" (٢/ ٢٩٧)، و"المنتظم" (١٠/ ١٢١)، و"سير أعلام النبلاء" (٢٠/ ١٥٨)، و"العبر" (٢/ ٤٦٠)، و"التقييد" (ص ٢٩٣)، و"شذرات الذهب" (٤/ ١٢٨)، و"معجم البلدان" (١/ ٤٩١)، و"اللباب" (١/ ١٧٦) وغيرها.
٤ - أبو اليُمْن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، المتوفى سنة (٦١٣ هـ).
قال ابن النجار: "ما رأيت أكمل منه عقلًا، ونُبلًا، وثقة، وصدقًا، وتحقيقًا، ورزانة مع دماثة أخلاقه".
وقال الذهبي: "المقرئ النّحوي اللغوي شيخ القرّاء والنّحاة بالشّام ومسند العصر".
وقال ابن نقطة: "وكان ثقة في الحديث والقراءات صحيح السّماع".
انظر: "السّير" (٢٢/ ٣٤)، و"العبر" (٣/ ١٥٩)، و"التقييد" (ص ٢٧٥)، و"التكملة لوفيات النقلة" (٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤) وغيرها.
٥ - أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي؛ فهو أشهر من أن يعرف، وهو المشهور بـ (ابن البخاري) صاحب "المشيخة" المعروفة، المتوفى سنة (٦٩٠ هـ).
قال شيخ الإِسلام ابنُ تيمية: "ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين رسول الله ﷺ في حديث".
وقال الذهبي: "كان فقيهًا عالمًا أديبًا فاضلًا كامل العقل متين الورع مكرمًا للمحدثين".
1 / 21
وقال -أيضًا-: "كان فصيحًا صادق اللهجة يرد على الطلبة مع الورع والتقوى والسكينة والجلالة، انفرد بعلو الإسناد وكثرة العوالي".
وقال -أيضًا-: "مسند الدنيا، وطال عمره، ورحل الطلبة إليه من البلاد".
انظر: "طبقات الحنابلة" (٤/ ٣٢٦)، و"معجم شيوخ الذهبي" (٢/ ١٣ - ١٤)، و"المعجم المختص بالمحدثين" (ص ١٥٩)، ومقدمة "مشيخة ابن البخاريّ".
وراوي الكتاب عن ابن البخاريّ -والذي لم يذكر اسمه في السند- هو عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة وهو راوي "مشيخة - ابن البخاريّ"، وكان ثقة.
انظر: "الدرر الكامنة" (٣/ ٢٣٥)، و"شذرات الذّهب" (٦/ ٢٥٨) وغيرها.
• ترجمة رواة النسخة (ل)، وهذا سندها:
أخبرنا الشيخ الإِمام الحافظ ناصر السُّنة أبو مسعود عبد الجليل بن محمَّد يُعرف بـ "كوتاه" -مدَّ الله في عمره- بقراءة لأصل أبي عبد الله سفيان بن أبي الفضل الخرقي عليه -وأنا أسمع- في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وخمسمائة (٥٤٥) قال: أخبرنا الشيخ الإِمام العارف أبو محمَّد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين بن عبد الرحمن الدُّوني ﵀ قال: أخبرنا القاضي أبو نصر الكسار به بإسناد النسخة (هـ).
١ - أبو مسعود عبد الجليل بن محمَّد بن عبد الواحد الأصبهاني الملقب بـ "كوتاه"، ولد سنة (٤٧٦ هـ)، وتوفي سنة (٥٥٣ هـ).
قال أبو موسى المديني: "أوحد وقته في علمه مع حسن طريقته وتواضعه".
1 / 22