وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار (^١).
وبعد أن سردت قصة جمع القرآن منذ بدايتها وحتى انتهائها، نعود إلى ما نُقل عن بعضهم من تحويل هذه الفضيلة من فضائل عثمان ﵁ إلى عيب يعاب به.
فإنَّ عثمان ﵁ لم يبتدع في جمعه المصاحف؛ بل سبقه إلى ذلك أبوبكر الصديق ﵁ كما أنه لم يصنع ذلك من قبل نفسه، إنما فعله عن مشورة للصحابة ﵃ وأعجبهم هذا الفعل، وقالوا: نعم ما رأيت، وقالوا أيضًا: قد أحسن؛ أي: في فعله في المصاحف.
فقد أدرك مصعبُ بن سعد صحابةَ النبي ﷺ؛ حين مشق (^٢) عثمان ﵁ المصاحف فرآهم قد أُعجبوا بهذا الفعل منه (^٣).
وكان علي ﵁ ينهى من يعيب على عثمان ﵁ بذلك ويقول: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا -أو
(^١) رواه الطبراني في الرواية التي تقدم تخريجها، وأصله في صحيح البخاري، الفتح (٩/ ١١، انظر الملحق الرواية رقم: [٣٠].
(^٢) المشق هو: الحرق (ابن منظور، لسان العرب ١٠/ ٣٤٤.
(^٣) البخاري، التاريخ الصغير (١/ ٩٤)، وإسناده حسن لغيره، انظر الملحق الرواية رقم: [١٤٢].