The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
Noocyada
سعي التتار لعقد تحالفات مع ملوك النصارى ونتائج ذلك
كل هذا الذي حدث في هذا الوقت كان على المحورين الدبلوماسي والسياسي لدولة التتار، وذلك لإسقاط الخلافة العباسية، فالسفارة الصليبية الأولى في عهد منكو خان فشلت، وأما سفارة ملك أرمينيا فقد نجحت نجاحًا كبيرًا سواء بالنسبة لملك أرمينيا أو ملك التتار.
وكان من رغبات منكو خان أيضًا أن يعقد تحالفات مع أمراء الممالك الصليبية في الشام، فالنصارى الكاثوليك كان لهم أكثر من مملكة أو إمارة في منطقة الشام وتركيا، فقد كان لهم إمارات في أنطاكية وطرابلس وصيدا وحيفا وعكا وغيرها، فأراد منكو خان أن يتحالف مع هؤلاء الأمراء؛ وذلك لشغل المسلمين في منطقة الشام وتركيا عن الخلافة العباسية؛ حتى لا يدافعون عنها، ولتشجيع هؤلاء الأمراء الصليبيين أرسل لهم ملك التتار طالبًا التحالف معهم مع هيثوم ملك أرمينيا، فقد أصبح مجرد رسول وسفير لدولة التتار، وذلك مثل الرحلات المكوكية لوزير خارجية إنجلترا في إيران وباكستان وأفغانستان وتركيا وغيرها، والتاريخ يتكرر، ووعد ملك التتار أمراء الإمارات الصليبية في الشام بإعطائهم بيت المقدس هدية إذا ساعدوه في إسقاط الخلافة العباسية، وكأنه يملك بيت المقدس.
وبيت المقدس كان قد أعطي هدية من قبل المسلمين في الشام إلى نصارى الإمارات الصليبية سنة ٦٢٦ كما قلنا قبل ذلك، ثم حرر في سنة ٦٤٣هـ على يد الملك الصالح نجم الدين أيوب ملك مصر في ذلك الوقت.
ومع كل هذا التشجيع فقد تردد أمراء الإمارات الصليبية في الشام في مساعدته باستثناء بوهمند أمير أنطاكية، فقد استحسن هذا الأمر جدًا، وانضم مباشرة إلى ملك التتار، وأما بقية الأمراء الصليبيين في الشام فقد رفضوا هذه الفكرة ولم يستحسنوها، لسببين: أولًا: أنهم يعلمون أن التتار لا عهد لهم، وقد يبيعونهم دون ثمن، ويضحون بهم في مقابل أي شيء أو بلا مقابل.
ثانيًا: أنهم يعيشون في قلب العالم الإسلامي، وخطورة المسلمين عليهم كخطورة التتار بل لعلها أقرب، ومن ثم لم يتحمس هؤلاء للتحالف المعلن مع التتار، وآثروا الانتظار إلى أن تتم الحرب بين التتار وبين المسلمين، ومن انتصر منهم سارعوا إليه ويسمون هذا سياسة.
وقد سعى منكو خان أيضًا إلى عقد بعض الاتفاقيات مع نصارى الشام والعراق من عامة النصارى الذين ليسوا بأمراء، الذين كانوا يعيشوا في كنف الدولة الإسلامية في الشام والعراق، ولم تكن هذه اتفاقات رسمية أو معلنة، بل كانت اتفاقات سرية مع بعض رءوس النصارى والقساوسة؛ حتى يسهلوا مهمة دخول التتار إلى البلاد وينقلوا الأخبار من وإلى التتار، وقد نجح منكو خان في الوصول إلى بعض الرءوس الكبيرة في الشام والعراق وعلى رأسهم ماكيكا بطريرك بغداد، فكان عاملًا مساعدًا هامًا في دخول بغداد.
ثم عقد منكو خان معاهدات مع مملكة الكرج النصرانية بعد أن دمرها التتار ثلاث مرات على حرب المسلمين، وإذا كان تاريخ التتار مع مملكة الكرج أسود فكذلك تاريخ المسلمين مع مملكة الكرج أسود، فقد كانت بينهم حروب طويلة جدًا وقديمة.
وحروبهم مع المسلمين كانت حروبًا عقائدية، كما قال ربنا ﷾ في كتابه الكريم: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة:٢١٧]، فتعاونوا مع التتار للمصلحة.
4 / 11