40

The Story of Moses and Al-Khidr

قصة موسى والخضر

Noocyada

تحديث الناس بما يعرفون أمر شرعي لا دلالة للباطنية فيه الجواب أن هذا حق اختلط بباطل كثير، ولكن لا ينبغي أن يحدث الناس إلا بما يعرفون، كذا أمرنا نبينا ﷺ وكذا فهم أصحابه. روى مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (ما أنت محدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) وهذا شيء طبيعي أن تنزل الكلام على قدر عقول الناس، فيجوز لك أن تكتم بعض العلم عمن تتصور أنه يفسد إذا ألقيت عليه هذا العلم، هذا أمر لا ينكر في الشريعة وله شواهد كثيرة. فمثلًا: قام رجل يخطب في إحدى القرى والأرياف، والغالب على أهل الأرياف أنهم فلاحون بسطاء، ولعل أكثرهم لم يتلقَّ شيئًا من العلم وإنما أخذوا من القراءة والكتابة أبجدياته، فصعد على المنبر ففسر قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ [الحديد:٢٠] بأن الكفار هنا هم الزراع، فالقاعدون قالوا: تحكم علينا بالكفر؟ أنحن كافرون؟ فقال لهم: لا. وإنما المقصود كذا وكذا، فلم يسمع أحد، فكان يقول: اقرءوا ابن كثير وابن جرير والطبري والقرطبي، فلا يسمع أحد، فهذا هو الخطأ، أن يأتي على أقوام لا يفهمون أبجديات العلوم فيحدثهم كما لو كانوا جميعًا من علماء الأمة، فهذا لا ضير عليه ألا يقوله. كذلك أنس بن مالك ﵁ كما في صحيح البخاري حدث الحجاج بن يوسف الثقفي الأمير الظالم المشهور بحديث العرنيين، وحديث العرنيين: أن جماعة أسلموا فاجتووا المدينة، أي: كرهوها وملوها وكانت مكة أطيب هواءً من المدينة، فلما هاجر الصحابة من مكة إلى المدينة مرضوا، فمرض أبو بكر وبلال وسعد وجماعة؛ لأن جو المدينة غير صحي وفيه حمى كثيرة، ولأن المدينة ستصبح دولة الإسلام، قال ﵊: (اللهم حبب إلينا المدينة حبنا لمكة أو أشد) . فالقوم الذين هاجروا يجب أن يحبوا الوطن الجديد حتى يعمروا فيه، فكرهوا المدينة لخبث هوائها وسوء جوها، فقال النبي ﷺ: (اللهم حبب إلينا المدينة حبنا لمكة أو أشد، اللهم أخرج حماها إلى الجحفة) والجحفة من أعمال مكة، وهي قرية خربت الآن، وهي ميقات أهل مصر، إذا خرج الحجاج من مصر فميقاتهم الجحفة، لكن الجحفة خربت فاستبدلوها برابغ، وهي قرية قريبة من الجحفة. فقال ﵊: (إني ليلة أمس رأيت امرأة سوداء الشعر، سوداء الوجه، كثيرة الشعر، خرجت من المدينة وقعدت في الجحفة فأولتها الحمى) فصارت المدينة أحب إلى الصحابة من أي مكان آخر. فأولئك العرنيون اجتووا المدينة: أي كرهوها وكرهوا المقام بها وسقمت صحتهم، فذهبوا يشكون إلى النبي ﷺ، فقال: (الحقوا براعي كذا -وكان راعيًا على إبل الصدقة- فاشربوا من أبوال الإبل وألبانها) وهذا دليل على أن بول الإبل طاهر، قال الفقهاء: وبول كل ما يؤكل لحمه طاهر أيضًا. فلو أن البقرة أو الجاموسة تبولت ووصل إلى ثوبك بعض البول يرون أن هذا لا شيء فيه؛ لأنه لو كان بول الإبل نجسًا لما أمر النبي ﷺ أولئك العرنيين بشربه. فذهبوا فشربوا من أبوالها وألبانها، وقتلوا الراعي، وأخذوا الإبل، فأرسل النبي ﷺ يطلبهم، فلما جيء بهم قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، أي: يأتي بمسمار محمي فيضعه في العين، وصلبهم حتى ماتوا. هذا جزاء الذين يحاربون الله في الأرض، قال أبو قلابة راوي الحديث: (فأولئك كفروا بعد إيمانهم) . فـ أنس بن مالك حدث الحجاج بهذا الحديث فصار الحجاج كلما يجد رجلًا يخالف رأيه يقتله، ويقول: (هكذا فعل النبي ﷺ فعوتب أنس كيف يحدث بمثل هذا الحديث للحجاج، فكان أنس يندم ويبكي أنه قال هذا للحجاج. فهنا عليه أن يكتم العلم وليس مستحبًاَ فقط، بل يجب أن يكتم مثل هذا العلم عمن يتصور أنه سيفسد إذا علمه، وقس على هذا، فمسألة أن العالم قد يكتم بعض العلم عن السائل هذه المسألة لا شيء فيها ولا علاقة لها بالظاهر ولا الباطن.

4 / 7