243
ثُمَّ قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إِنَّ مَعِيَ أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلَ رَأْيِي، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِهِمْ، فتَبِيعَهُمْ وَتُحْسِنَ في ذَلِكَ.
وَهَكَذَا نَجَحَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، وَأَبُو نَائِلَةَ في هَذَا الحِوَارِ إلى مَا قَصَدَا، فَإِنَّ كَعْبًا لَنْ يُنْكِرَ مَعَهُمَا السِّلَاحَ، وَالأَصْحَابَ بَعْدَ هَذَا الحِوَارِ.
وَفِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ -لَيْلَةِ الرَّابع عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِلْهِجْرَةِ- اجْتَمَعَتْ هَذِهِ المَجْمُوعَةُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى بَقِيعِ الغَرْقَدِ، ثُمَّ وَجَّهَهُمْ قَائِلًا: "انْطَلِقُوا عَلَى اسمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ".
ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى بَيْتِهِ، وَطَفِقَ يُصَلِّي، وَيَدْعُو رَبَّهُ.
وَأَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إلى حِصْنِ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ، فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ، فَقَامَ لِيَنْزِلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأتهُ -وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ- أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟.
فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ.
قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إلى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ مُتَطَيِّب يَنْفُحُ رَأْسُهُ.
وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا مَا جَاءَنِي فَإِنِّي آخُذُ بِشَعْرِهِ فَأَشُمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ، فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ.
فَلَمَّا نَزَلَ كَعْبٌ إِلَيْهِمْ تَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً، وَتَحَدَّثُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو نَائِلَةَ: هَلْ لَكَ يَا ابْنَ الأَشْرَفِ أَنْ نَتَمَاشَى إلى شِعْبِ العَجُوزِ، فنَتَحَدَّثَ بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا؟.

1 / 269