240
السنة الثالثة من الهجرة
مقتل كعب بن الأشرف
وفي رَبِيعٍ الأَوَّلِ من السنة الثالثة من الهجرة كان مَقْتَلُ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ، حيث نقض عهد صحيفة المدينة والتي نصت على: ألا تُجار قريش ولا تُنصر على المسلمين. فساند قريشًا في حربها على المسلمين وحرّضها على قتال المسلمين، وأفتاها أنها أهدى سبيلًا من رسول الله ﷺ، وأنشد الأشعار في هجاء الصحابة وتحدث بالفاحشة في أشعاره عن نساء الصحابة. فنقض الميثاق وأعلن حربه على المسلمين، وكان مِنْ أَشَدِّ اليَهُودِ عَدَاوَةً لِلرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ، وَكَانَ أَبُوهُ عَرَبِيًّا مِنْ قَبِيلَةِ طَيِّءٍ، مِنْ بَنِي نَبْهَانَ، وَكَانَ أَصَابَ دَمًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَتَى المَدِينَةَ فَحَالَفَ بَنِي النَّضِيرِ، فَشَرُفَ فِيهِمْ، وَتَزَوَّجَ عَقِيلَةَ بِنْتَ أَبِي الحُقَيْقِ، فَوَلَدَتْ لَهُ كَعْبًا، وَكَانَ طَوِيلًا جَسِيمًا، وَكَانَ شَاعِرًا مُجِيدًا، سَادَ يَهُودَ الحِجَازِ بِكَثْرَةِ مَالِهِ، فَكَانَ يُعْطِي أَحْبَارَ يَهُودٍ وَيَصِلُهُمْ، وَكَانَ حِصْنُهُ شَرْقِيَّ جَنُوبِ المَدِينَةِ فِي خَلْفِيَّاتِ دِيَارِ بَنِي النَّضِيرِ.
وَكَانَ مِنْ عَدَاوَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ انْتِصَارِ المُسْلِمِينَ، وَقَتْلُ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فِي بَدْرٍ، قَالَ: أَحَقٌ هَذَا؟ هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ العَرَبِ وَمُلُوكُ النَّاسِ، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءَ القَوْمِ لَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لِي مِنْ ظَهْرِهَا.
فَلَمَّا تَأَكَّدَ لَدَيْهِ الخَبَرُ، انْبَعَثَ عَدُوُّ اللَّهِ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالمُسْلِمِينَ، وَيَمْدَحُ عَدُوَّهُمْ، وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَرْضَ بِهَذا القَدْرِ حَتَّى رَكِبَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَبَكَى قَتْلَاهُمْ فِي بَدْرٍ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ، فَنَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَنْزَلَهُ وأَكْرَمَهُ، وَجَعَلَ يُنْشِدُ الأَشْعَارَ، وَيُحَرِّضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالمُسْلِمِينَ.

1 / 266