223
الدعاء للمدينة بالصحة
وقالت عائشة ﵂: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة؛ اشتكى أصحابه فوعك (^١) أبو بكر وبلال وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، فاستأذنت رسول الله ﷺ في عيادتهم، فأذن لي. قالت: فدخلت عليهم، فقلت: يا أبت، كيف تجدك؟ فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كل امرئ مصبح في أهلهِ ** والموت أدنى من شراك نعلهِ
وسألت عامرًا، فقال:
إنيّ وجدت الموت قبل ذوقهِ ** إن الجبان حتفه من فوقهِ
قالت: وسألت بلالًا كيف تجدك؟، فكان بلال إذا أقلع عنه الحمى، يرفع عقيرته (^٢) يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة** بوادٍ (^٣) وحولي إذخر وجليل (^٤)
وهل أردن يومًا مياه مجنة (^٥) ** وهل يبدون لي شامة وطفيل (^٦)
ثم قال: اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء. قالت عائشة: فجئت رسول الله ﷺ فأخبرته، فقال: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، أو أشد. اللهم بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة. (^٧)

(^١) أي: أصابهم الوعك وهي الحمى.
(^٢) قال الأصمعي: أصله أن رجلًا انعقرت رجله، فرفعها على الأخرى وجعل يصيح، فصار كل من رفع صوته يقال: رفع عقيرته، وإن لم يرفع رجله.
(^٣) أي: بوادي مكة.
(^٤) الجليل: نبت ضعيف، يحشى به خصاص البيوت وغيرها.
(^٥) موضع على أميال من مكه، وكان به سوق.
(^٦) جبلان بقرب مكة.
(^٧) قالت عائشة ﵂: فكان المولود يولد بالجحفة، فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى، وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان يجري نجلًا، تعني: ماء آجنا (أي: متغيرا).

1 / 248