216
ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة، إذا لأثر يديها عثان (^١) ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره. فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها، أضرهم أم لا؟، فخرج الذي أكره أن لا أضرهم فعصيت الأزلام، وركبت فرسي تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله ﷺ وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات- ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها، فناديتهم بالأمان فوقفوا. ووثب سراقة عن فرسه، وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن يخلصني مما أنا فيه، ولك علي لأعمين على من ورائي، وهذه كنانتي، فخذ سهمًا منها، فإنك ستمر على إبلي وغلماني بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: " لا حاجة لي في إبلك"، ودعا له رسول الله ﷺ فنجا. قال سراقة: فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله ﷺ فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني ولم يسألاني شيئًا، فقلت: يا نبي الله، مرني بما شئت، قال: " فقف مكانك، لا تتركن أحدًا يلحق بنا، أخف عنا "، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أديم. فجعل سراقة لا يلقى أحدًا إلا قال: قد كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدًا إلا رده، قال أبو بكر: فوفى لنا. فكان أول النهار جاهدا على نبي الله ﷺ وكان آخر النهار مسلحة له.

(^١) العثان: هو الدخان من غير نار.

1 / 240