134
فَتَقُولُ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. فَلَمَّا رَأَى زَكَرِيَّاءُ ذَلِكَ مِنْهَا؛ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَرَجَا الْوَلَدَ حَيْثُ رَأَى فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذَا بِمَرْيَمَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُصْلِحَ زَوْجَتِي حَتَّى تَلِدَ. فَـ ﴿قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي فِي الْمَذْبَحِ الَّذِي لَهُمْ إِذَا هُوَ بَرْجَلٍ شَابٍّ، وَهُوَ جَبْرَائِيلُ، فَفَزِعَ زَكَرِيَّاءُ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾. (^١) وَسَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى (يَحْيَى) وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَنْ تَسَمَّى هَذَا الِاسْمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ (^٢)، وَكَانَ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَلَا يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ. قَالَ زكريا: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾؟ فَقِيلَ لَهُ: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِخْبَارًا هَلْ يُرْزَقُ الْوَلَدَ مِنِ امْرَأَتِهِ الْعَاقِرِ أَمْ غَيْرِهَا، لَا إِنْكَارًا لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى. ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ (^٣). فأَمْسَكَ اللَّهُ لِسَانَهُ عن الكلام مع الناس. فَلَمَّا وُلِدَ رَآهُ أَبُوهُ حَسَنَ الصُّورَةِ، قَلِيلَ الشَّعَرِ، قَصِيرَ الْأَصَابِعِ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ، دَقِيقَ الصَّوْتِ، قَوِيًّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ مُذْ كَانَ صَبِيًّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (^٤). قِيلَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُ يَوْمًا الصِّبْيَانُ أَمْثَالُهُ: يَا يَحْيَى اذْهَبْ بِنَا نَلْعَبْ. فَقَالَ لَهُمْ: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْتُ. ومَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا قَدْ أَخْطَأَ، أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ، لَيْسَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا.

(^١) يَعْنِي أن يحيى يكون ممن يؤمن بعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ﵇ وَيَحْيَى أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى وَصَدَّقَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ فَاسْتَقْبَلَتْ مَرْيَمَ وَهِيَ حَامِلٌ بِعِيسَى فَقَالَتْ لَهَا: يَا مَرْيَمُ أَحَامِلٌ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: لِمَاذَا تَسْأَلِينِي؟ فَقَالَتْ إِنِّي أَرَى مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ، فَذَلِكَ تَصْدِيقُهُ. وَقِيلَ: صَدَّقَ الْمَسِيحَ ﵇ وَلَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ. (^٢) قِيلَ: أَوْحَشُ مَا يَكُونُ ابْنُ آدَمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، فَسَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَحْشَتِهَا. (^٣) الرَّمْزُ: الْإِشَارَة. (^٤) واخْتُلِفَ فِي تفسيره، فَقيل: نُبِّئَ وَهُوَ ابن تِسْعِ سِنِينَ. وَقِيلَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بالحكم: الْفَهم فِي الدّين.

1 / 145