The Story of Civilization
قصة الحضارة
Daabacaha
دار الجيل
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
Noocyada
الباب الرابع
العناصر الخلقية في المدنية
لما كان المجتمع يستحيل قيامه بغير نظام، والنظام لا يكون بغير قانون، قلنا أن نعممها قاعدةً من قواعد سير التاريخ، بأن قوة التقاليد تتناسب تناسبًا عكسيًا مع كثرة القوانين، كما أن قوة الغريزة تتناسب تناسبًا عكسيًا مع كثرة الأفكار؛ وبعض القواعد لابد منه حتى يعايش الناس بعضهم بعضًا، وقد تختلف هذه القواعد في الجماعات المختلفة، لكنها ينبغي أن تكون في جوهرها واحدة في الجماعة الواحدة؛ وقد تكون هذه القواعد مواضعات أتفق عليها الناس أو تقاليد أو أخلاقًا أو قوانين؛ فأما المواضعات فهي صور من السلوك وجد الناس أنها نافعة لحياتهم، والتقاليد مواضعات قبلتها الأجيال المتعاقبة؛ والأخلاق هي التقاليد التي ترى الجماعة ألا غنى عنها لسعادتهم وتقدمهم بعد أن تعلمت من الانتخاب الطبيعي الذي يُبقى على الصالح ويزيل الفاسد خلال ما يصادفه الناس من تجارب يجرونها في الحياة فيخطئون هنا وهناك، هذه التقاليد الحيوية أو الأخلاق في الجماعات البدائية التي لا تعرف قانونًا مكتوبا تنظم كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية؛ وتكسب النظام الاجتماعي اطرادًا وثباتًا؛ وهذه التقاليد إذا ما انقضى عليها الزمن وخلع عليها سحره شيئًا فشيئًا، فإنها بطول تكرارها تصبح للفرد طبيعة ثانية؛ إن جاوز حدودها شعر بالخوف أو القلق أو العار- وذلك هو أصل الضمير أو الحس الأخلاقي الذي أختاره دارِون ليكون أظهر فاصل يفرّق بين الحيوان والإنسان والضمير في مراحل تطوره العليا يصبح وعيًا اجتماعيا- أي شعور الفرد بأنه ينتمي إلى جماعة معينة وأنه مدين لها بشيء من الولاء والاحترام؛ وما الأخلاق سوى تعاون الجزء مع الكل، ثم تعادل كل جماعة مع كل أعظم فالمدنية، بطبيعة الحال كانت تستحيل بغير أخلاق.
1 / 65