152

The Story of Civilization

قصة الحضارة

Daabacaha

دار الجيل

Goobta Daabacaadda

بيروت - لبنان

Noocyada

قمينا أن يزول، أو تلمح معنى عابرًا لظرف قائم لكنه وشيك الزوال، ثم تعرضه ساكنًا ثابتًا أمام حسّ يتلكأ في استمتاعه بما يرى، أو أمام عقل يحبُّ أن يتأمل على مهل؛ من هذه المصادر الكثيرة يأتي ما في الحياة من ألوان الكماليات السامية - الغناء والرقص، الموسيقى والمسرحية، الخزف والتصوير، النحت والعمارة، الأدب والفلسفة؛ فما الفلسفة إن لم تكن فنا؟ ما الفلسفة إن لم تكن محاولة أخرى تضاف إلى محاولات سائر الفنون في أن تُفيض على فوضى ما يقع لنا في دنيا التجربة "صورة لها معنى"؟.
فإذا كان الإحساس بالجمال ضعيفًا في الجماعة البدائية فقد يكون ذلك بسبب انعدام الفارق الزمني بين الشعور بالشهوة الجنسية وبين تحقيقها، لأن ذلك لا يتيح الفرصة للخيال أن يضفي على موضوع الشهوة ألوانًا من عنده، تزيد من جماله زيادة كبيرة؛ إن الإنسان البدائي قلما يفكر في اختيار النساء على أساس ما نسميه نحن فيهن بالجمال، بل هو أدنى إلى التفكير فيهن على أساس نفعي، ويستحيل أن يدور في خلده أن يرفض عروسًا مفتولة العضلات بسبب قبحها؛ فرئيس القبيلة من الهنود حين سئل أيّ زوجاته أروع جمالا، اعتذر عن عدم الجواب لأنه لم يفكر قط في هذا الموضوع، وقال في حكمة ناضجة تشبه حكمة فرانكلين: "قد تكون الوجوه أكثر جمالا أو أقل جمالا؛ لكن النساء في جوانبهن الأخرى لا يختلف بعضهن عن بعض في شيء"؛ وحتى إن كان للإنسان البدائي إحساس بالجمال، فهو أحيانًا يُفلت منا فلا نراه، لشدة اختلافه عن إحساسنا نحن بالجمال؛ يقول "رتشارد": "كل مَن أعرف من أجناس الزنوج، يعدُّون المرأة جميلة إذا لم تكن نحيلة عند خصرها، وإذا ما كان جذعها من الإبطين إلى الردفين ذا عَرض واحد - حتى يقول عنها زنجي الساحل: إنها كالسُّلم" والآذان المطروقة كآذان الفيل، والبطن المتثنّى هما من مفاتن المرأة عند الرجال في إفريقية وفي أرجاء إفريقية كلها، أجمل النساء هي المرأة السمينة؛ فيقول "منجوبارك"

1 / 142