The Story of Civilization
قصة الحضارة
Daabacaha
دار الجيل
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
Noocyada
والذئاب والغزلان، وأصبح الطوطم- باعتباره شعارًا أو رمزًا- علامة مفيدة تدل على ما بين البدائيين من قُربى، وتميزهم بعضهم من بعض، ثم أخذ على مر الزمن يتطور في صور عَلمانية فكان منه التمائم والشارات، كهذا الذي تتخذه الأمم من شعارات لها كالأسد أو النسر، أو الأيل الذي تتخذه الجمعيات التي تعمل على الإخاء بين الناس، أو هذه الحيوانات الخرساء التي تصطنعها الأحزاب السياسية عندنا اليوم، لتمثيل رسوخ الفيلة أو صخب البغال؛ وكانت الحمامة والسمكة والحَمل، في رمزية العقيدة المسيحية إبان نشوئها، بقايا القديم في تمجيد الطواطم؛ بل إن الخنزير الوضيع كان يومًا طوطما لليهود السابقين للتاريخ؛ وفي معظم الحالات كان الطوطم محرمًا لا يجوز لمسه؛ ويجوز أكله في بعض الظروف، على أن يكون ذلك من قبيل الشعائر الدينية، فهو بذلك يرمز إلىأكل الإنسان لله أكلا تعبديا (^١)، وقبيلة "غالا" في الحبشة تأكل السمكة التي تعبدها في احتفال ديني رصين، ويقول أبناؤها: "إننا نشعر بالروح تتحرك فينا إذ نحن نأكلها"؛ وما كان أشد دهشة المبشرين الأطهار، إذ هم يبشرون بالإنجيل لقبيلة "غالا" أن وجدوا بين هؤلاء السذج شعيرة شديدة الشبه بالقُداس عند المسيحيين.
ويجوز أن قد كان الخوف أساس الطوطمة، كما هو أساس كثير من العبادات، وذلك بأن يكون الإنسان قد عَبَدَ الحيوان لقوته، فلم يَرَ بُدًّا من استرضائه، فلما أن طهر الصيدُ الغابة من وحشها، ومهد الطريق للطمأنينة تتوفر في الحياة الزراعية، قَلّت عبادة الحيوان ولو أنها لم تزُل تمام الزوال؛ وربما استمدت
(^١) يعتقد فرويد بما له من خصوبة في الخيال يتميز بها، أن الطوطم هو صورة يرمز بها الإنسان إلى الأب، الذي يهابه الأبناء ويمقتونه لشدة بأسه وقوته، فيثورون عليه ويأكلونه. ويرى دركهايم أن الطوطم رمزًا للعشيرة يهابه الفرد ويمقته (ومن هنا كان "مقدسًا" و"نجسًا" في آن معًا) لشدة سلطانه عليه سلطانًا لا يغلب ولاستبداده استبدادًا يحرج الصدر، وأن الشعور الديني في أساسه الأول هو ما كان يشعر به الفرد إزاء أولي الأمر في جماعته الذين بيدهم السلطة
1 / 107