The Scientific Foundations of the Salafi Da'wah
الأصول العلمية للدعوة السلفية
Daabacaha
الدار السلفية
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٣٩٨ هـ
Goobta Daabacaadda
الكويت
Noocyada
الباب الرابع مميزات الدعوة السلفية
* أولًا: تحقيق التوحيد:
من الحقائق الأساسية لفهم الدين أن ندرك أن غاية الدين وهدفه النهائي هو توحيد الله ﷾؛ فالتوحيد هو خلاصة الدين، وغايته.
- إذا جئت إلى مسائل الإيمان؛ وجدت أن أصلها (لا إله إلا الله)، ووجدت أن الإيمان بالملائكة والكتب واليوم الآخر والرسل والقضاء والقدر، وهي الأركان الباقية؛ كل هذه الأركان الخمسة تعود إلى الركن الأول:
- فالملائكة هم جند هذا الإله الواحد، الذين يعبدونه ويوحدونه ويطيعون أمره.
- والرسل هم الداعون إليه.
- والكتب هي التي تضمنت أمره ونهيه ووعظه وصفته وأعماله بأهل طاعته وأهل معصيته.
- واليوم الآخر هو اليوم الذي حدده هذا الإله ليحاسب فيه خلقه.
- والقضاء والقدر هو فعله وتقديره.
وكل ما يتعلق ويتصل بهذه الأركان الخمسة من مسائل العقيدة فهو راجع إلى ذلك:
فالجنة هي دار أوليائه، والنار هي الدار التي أعدها لأعدائه، وكذلك القبر والحساب والميزان ... الخ كل أمور الغيب هي من خلقه وتدبيره وتصريفه ووفق مشيئته سبحانه؛ فالعقيدة كلها والإيمان كله راجع إلى شيء واحد هو الإيمان بالإله الواحد ﷾.
- هذا في العقيدة، وأما الأعمال؛ فهي كذلك أيضًا تعود كلها في النهاية إلى التوحيد:
- فأشرف الأعمال على الإطلاق هي العبادات، وأشرف العبادات وأعلاها منزلة هي أركان الإسلام الأربعة بعد التوحيد، وأشرف هذه الأركان بعد التوحيد هي الصلاة ...
والعبادات كلها ما سميت عبادات إلا لأنها يتقرب بها إلى الإله الواحد ﷾.
- وأشرف التقرب هو الصلاة، وذلك أنه خطاب ومناجاة بين العبد والرب، وفيها تظهر العبودية ظاهرة جلية، وخاصة وقت السجود الذي يصور كمال ذل المخلوق نحو ربه وخالقه ومولاه ﷾، ولذلك قال ﷺ: [أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد] . وذلك أن العبد لما ذل لله وخضع على هذا النحو؛ تقرب الله منه وأحبه وآواه. - وهكذا سائر الأركان؛ فالصوم تذكير بالله وتعليم لتقواه، والزكاة كذلك رأفة وإعانة للفقير ابتغاء مرضاة الله، والحج ما قصد به إلا تعظيم الخالق ﷾ وتوحيده. * وإذا تركت العبادات وأتيت إلى حدود الإسلام؛ وجدت أن الحدود هي شرع الله، وهي الفواصل التي وضعها للتفريق بين ما يجوز وما لا يجوز، وأنها العقوبات التي رتبها على أهل معصيته في الدنيا، ولذلك كانت الحدود توحيدًا، أو هي من أجل التوحيد وعبادة الإله الواحد. * وهكذا سائر المعاملات هي من حدوده وشرعه سبحانه، الذي ارتضاه لخلقه، والذي يأبى أن ينازعه فيه منازع؛ كما قال سبحانه: ﴿إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه﴾ (يوسف: ٤٠) . * وكذلك الأخلاق لا تكون أخلاقًا صالحة إلا إذا كانت وفق شرعه، ولا يثاب عليها صاحبها إلا إذا أديت ابتغاء مرضاته. فالإحسان إلى الوالدين والأقارب والزوجات والأولاد والجيران والأصدقاء والخلان، والعدل بين الناس، ورحمة المسكين، والعطف على الفقير، والصدق، والشجاعة، وكل هذا من الأخلاق الطيبة: لا يكون طيبًا إلا إذا كان في حدود أمر الله.
فالإحسان إلى الوالدين له حدود في الشرع، ولا يكون الإحسان إحسانًا إلا إذا وافق شرع الله وحدوده، ولا يثاب عليها صاحبها إلا إذا عملها ابتغاء مرضاة الله ﷾؛ كما قال جل وعلا: ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا﴾ (النساء: ١١٤) . فبعد أن بين ﷾ أن الصدقة والأمر بالمعروف والإصلاح بين الناس من الخير؛ بين تعالى أنه لا ينال ثواب هذا الخير إلا من فعله ابتغاء مرضاة الله ﷾. وبهذا العرض السريع الكامل لعقائد الإسلام وعباداته ومعاملاته وأخلاقه؛ يتبين لنا أن الهدف والغاية من وراء ذلك كله هو توحيد الله ﷾، وهذا يعني أن التوحيد هو أعظم قضية في الدين، وأنه يجب فهمها فهمًا سليمًا، وتعلمها تعلمًا كاملًا، وربط جميع فروع الدين صغيرها وكبيرها بها.. وهكذا كان الرسل صلوات الله عليهم جميعًا ما بعثوا إلا بالتوحيد؛ قال تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ (النحل: ٣٦) . وقال تعالى: ﴿قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد﴾ (الأنبياء: ١٠٨) . وقد جعلها الله بصيغة الحصر؛ أي: لا يوحى إلي إلا هذا، فكأن دعوة الرسول ما كانت إلا من أجل التوحيد، بل ليس الموحى به إلا التوحيد.. ولذلك؛ فالدعوة السلفية المعاصرة والسالفة لا همَّ لأصحابها وحاملي لوائها -ولا يجوز أن يكون لهم همُّ- إلا إخلاص الدين لله، وتحرير قضية التوحيد، وتفهيمه على وجهه الصحيح.. التوحيد بكل معانيه.
فمعرفة الرب كما وصف نفسه ووصفه رسوله هو أصل التوحيد وبدايته؛ فلا بد من معرفة الرب معرفة صحيحة، ولا طريق لهذه المعرفة إلا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فمن آمن برب ما، ولكنه لا يعرف هذا الرب؛ فما وحد الله كما ينبغي له، بل لا بد أن يشهد لله بما شهد لنفسه سبحانه من الصفات الجليلة؛ كالرحمة، والعلم، والسمع، والبصر، والعلو عن خلقه، ومحبته للطائعين، وبغضه للعاصين الكافرين، واستوائه على عرشه الذي هو سقف مخلوقاته، وكلامه لرسله، ورؤية المؤمنين له في الجنة، وإرادته النافذة في أحبابه وأعدائه.. الخ صفاته الجليلة الكريمة التي وصف بها نفسه مادحا لها، سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. ويأتي بعد هذا الأصل من أصول التوحيد أصول أخرى؛ من محبة هذا الإله، والتقرب إليه وحده، ونبذ جميع أصناف الشرك؛ من دعاء غيره، والرغبة إلى سواه، والخوف مما عداه، ونبذ الخرافات والأوهام. ومن أصول التوحيد نسبة الفضل إلى الله وحده؛ فمنه الخير لا من سواه، وهو الذي يدفع الضر ولا يدفعه أحد غيره. ويأتي بعد ذلك من أصول التوحيد إقامة شرعه في الأرض، والتحاكم عند الخلاف إلى ما أنزله وإلى ما حكم به رسوله لا إلى شيء غير ذلك. ويأتي بعد ذلك من أصول التوحيد إخلاص النيات له في التقرب والطاعة ورجاء المثوبة منه والخوف من عقابه.. إلى أصول وفرعيات كثيرة للتوحيد؛ من جمعها وعلمها وعمل بمقتضاها؛ عرف الله حقًا وعبده حقًا..
والدعوة السلفية تجعل كل هذا نصب عينها، فتدعو الناس أولًا إلى هذه القضية الكلية (توحيد الله)، ثم تبدأ بعد ذلك في تفصيل فرعياتها وجزئياتها، فلا يزال الفرد الذي يسير في الطريق السلفي يرقى كل يوم درجة من درجات سلم التوحيد، ويضيف كل يوم مسألة من مسائله، فلا يمر عليه وقت يسير حتى يكون بحول الله وتوفيقه وحمده موحدًا خالصًا، كل يوم في زيادة من دينه.
وبهذا تفترق الدعوة السلفية عن كل ما عداها من دعوات الإصلاح الجزئية التي تنسب إلى الإسلام، وذلك أن هذه الدعوات تبدأ من جزئية من جزئيات الدين، كأن تحاول تصحيح الحكم والسياسة، وهذه جزئية من جزئيات الدين، وترى أن الوصول إلى تحقيق هذه الجزئية لا يكون إلا بتجميع الناس وعدم تنفيرهم، حتى يساعدهم الناس في الوصول إلى الحكم، ويرون أن تجميع الناس لا يتأتى لهم إلا بالسكوت عن أخطائهم العقائدية، وبذلك يندس فيهم المشركون، والذين يدعون غير الله، ويندس فيهم أيضًا أهل الأهواء من طلاب الرياسات والزعامات؛ لأنهم يرون أن طريقهم موصل لذلك، ويسكتون عن كثير من البدع العقائدية والخرافات، حتى لا ينفروا الناس من دعوتهم في زعمهم، ويخترعون لهذا ما يسمونه بـ (مصلحة الدعوة)، فيحلون كثيرًا من المحرمات، ويحرمون كثيرًا من الطاعات، وقد يكون هذا في مصلحتهم كحزب يسعى إلى الحكم والرياسة، ولكنه حتمًا ليس في مصلحة الدعوة الإسلامية التي يقوم أساسها على التوحيد الكامل، وليس أساسها على الحكم والرياسة؛ فتصحيح الحكم والسياسة من الدين، ولكنه ليس أصل الدين ومنطلقه، ولذلك نص الذين ينتهجون هذا النهج في الدعوة (إصلاح الحكم والسياسة أولًا) أقول: نصوا في كتبهم أن عمل البر من إحسان وزيارة وعبادات وبناء مساجد وغير ذلك إنما هو ظاهر غير مراد لدعوتهم، وأن هدف دعوتهم الأساسي هو إقامة السياسة والحكم، وشتان بين أن يكون هدف الدعوة هو التوحيد وأن يكون هدف الدعوة هو الرياسة والزعامة وإن لبس هذا بلباس الإسلام.
والدعوة السلفية تسعى فيما تسعى إليه إلى إصلاح السياسة والحكم، ولكنها تعتقد أنه جزئية ينزل منزلته من أوامر الذين من حيث الأهمية والأولوية، ويسعى إليه بالقدر السليم الصحيح الذي يتناسب مع القائمين بالدعوة وجهودهم، وهي تدعو الله لكل سلطان صالح يريد الخير للناس، وتدعو جميع السلاطين القائمين إلى تحكيم شرع الله في أنفسهم وما خولهم الله إياه. وأما أولئك الآخرين؛ فإنهم يشرقون ويغصون لو أن حاكمًا دعا إلى شيء من الإسلام، وطبق شيئًا من أحكامه، وذلك أنهم يريدون أن يبقى التناقض قائمًا بين الحاكم والإسلام؛ لتستمر دعوتهم، ويكون مبرر لوجودهم، وذلك أنهم يرون أن توجه الحكام إلى الإسلام نهاية لوجودهم، وسرقة لدعوتهم، وقد يشعرون بهذا، ويحاربون هذا عن علم، وقد لا يشعر بهذا كثير منهم. ولذلك حملهم هذا أيضًا على العصبية في الدعوة، وحب الظهور، والرغبة في ألا يأتي الخير للناس إلا من طريقهم، ولذلك عادوا إخوانهم في الدعوة، وذلك كما تعادي الأحزاب السياسية بعضها بعضًا، يسوؤهم أن يصل آخرون إليه، ولو كانوا مسلمين مثلهم وخيرًا منهم، أو أن يصلح القائمون في الحكم أنفسهم.. وكذلك الشأن في كل دعوة اتخذت جزئية من جزئيات الإسلام مرادًا ومنطلقًا وغاية لها؛ كالدعوات إلى الإصلاح الاجتماعي؛ من محاربة شرب الخمر، والاختلاط، وأندية الفسق والفجور.. ونحو ذلك. وكذلك دعوات البر والإحسان والعطف على الفقراء واليتامى، هذه الجمعيات والدعوات التي تتوقف عند جزئية من جزئيات الدين يضل سعيها، ولا تصل إلا إلى أقل القليل من النتائج، وقد يبقى أفرادها في دوائر ضيقة من العلم والعمل، ثم يتفرقون ويتمزقون، بل قد يجتمع معهم أهل النيات الفاسدة ومحبي الظهور والمدح.
وهذه الأمور من جزئيات الإسلام، وإن كانت مطلوبة مرادة؛ إلا أنها يجب أن تبقى في الإطار العام من دعوة الإسلام الشاملة العامة، وأن تكون أجزاء في هيكل التوحيد وإخلاص الدين لله ﷾. ولذلك كان المنطلق السلفي في إخلاص الدين لله أولًا، وتحقيق التوحيد، ثم إنزال جميع تكاليف الإسلام منازلها بعد ذلك؛ من إصلاح الحكم والسياسة والقضاء، وإقامة الحدود، وتطهير المجتمعات من الفساد، وتربية الرجال والنساء على الدين الحق من عبادات ومعاملات وأخلاق. أقول: هذا المنطلق السلفي هو المنطلق الصحيح السليم، وهي دعوة الرسل، وعلى رأسهم محمد بن عبد الله ﷺ، الذي دعا إلى التوحيد أولًا وأخيرًا، ثم أنزل الأعمال منازلها حيث مناسباتها، فنزل تحريم الأطعمة بمكة، حيث يستطيع المسلمون تنفيذ ذلك.. وكذلك نزلت الصلاة والأخلاق والدعوة والصبر على الأذى وبعض المعاملات في المجتمع المكي، ثم تدرج التشريع من قتال وزكاة وحج وغير ذلك في مجتمع المدينة.. ونحن نرى أن الدين قد كمل بعد حياة الرسول، ولا يجوز تعطيل فرضية من فرضياته، ولكن يقوم أهل الدعوة والجهاد من أوامر الدين بما يستطيعون وما يطبقون تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ (التغابن: ١٦) . ويجب أن يكون ذلك على نهج النبي محمد ﷺ، ووفق سنته، فيحقق التوحيد في أفراد الدعوة أولًا، ثم يدعون إلى العمل الصالح حسب القدرة والاستطاعة والأولوية والمناسبة، ووفق سياسة تحقق للمسلمين أن يقوموا بالدين كله في جميع شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية، وكل هذا في إطار التوحيد الذي هو غاية العمل الإسلامي ومراده. وهذه الميزة للدعوة السلفية هي من أعظم مميزاتها.
وباختصار؛ إذا أردنا أن نعرف الدعوة السلفية؛ قلنا: إنها دعوة التوحيد، والتوحيد يعني هذا الفهم الشامل للدين الذي شرحناه آنفًا ... رأفة وإعانة للفقير ابتغاء مرضاة الله، والحج ما قصد به إلا تعظيم الخالق ﷾ وتوحيده. * ثانيا: تحقيق الوحدة: الدعوة الإسلامية دعوة عامة للناس جميعًا. قال تعالى لرسوله محمد ﵌: ﴿قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا﴾ (الأعراف: ١٥٨) . وقال تعالى: ﴿وما أرسلنك إلا كافةً للناس﴾ (سبأ: ٢٨) . وقال ﷺ في بيان ما امتاز به عن غيره من الرسل: [وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة] . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًا. ولما كان الناس مختلفين في شأن هذه الرسالة العظيمة، ويكون منهم المؤمن ومنهم الكافر؛ كما قال تعالى: ﴿هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن﴾ (التغابن: ٢) . فإن الله ﷾ أوصى عباده الذين آمنوا بأن يكونوا إخوة؛ قال تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ (الحجرات: ١٠) . وقال ﵌: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفس] . ويعني هذا انتفاء الإيمان عند انتفاء الأخوة. ولذلك كان من علامات النفاق الفجر في الخصومة، وهو المبالغة فيها. وقد جاءت الأوامر القرآنية الكثيرة والأحاديث الصحيحة الكثيرة بالحرص على هذه الأخوة وتشييد بنائها والنهي والوعيد الشديد على الفرقة والتفرق؛ كما قال تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءايته لعلكم تهتدون﴾ (آل عمران: ١٠٣) .
وقال الرسول ﷺ: [مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو؛ تدعى له سائر الجسد بالحمى والسهر] . وقال ﷺ: [لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض] . وقال ﷺ: [سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر] . وحث الله ورسوله على كل ما يقرب المسلم من أخيه المسلم، وأجزل الله العطاء لذلك؛ فقد جاء في الحديث: أن رجلًا غفر الله له عندما خرج ليزور أخًا له في الله في قرية غير قريته، وأن الله عجب من رجل وامرأة أطعما ضيفهما وباتا جياعًا مع أولادهما. والحق أن الإسلام لم ينشر إلا بهذه الأخوة العجيبة، التي ربطت بين الصحابة رضوان الله عليهم في صدر الإسلام، فلولا إيواء الأنصار لإخوانهم المهاجرين، وحب المهاجرين وعفتهم مع إخوانهم الأنصار؛ لما كانت هذه الفتوح العظيمة وهذا الانتشار السريع للإسلام شرقًا وغربًا. ولذلك كان من أعظم البلاء على أمة الإسلام ما وقع بينهم من فرقة وخلاف وشقاق جعل السيف بينهم بعد أن كان على أعدائهم، ولذلك قال رسول الله ﷺ لمحمد بن مسلمة: [خذ هذا السيف؛ فقاتل به، حتى إذا وجدت أمتي قد اختلفت وضرب بعضها بعضًا؛ فحطمه على صخرة من صخور سلع] . أو كما قال ﷺ. وهكذا فعل محمد بن مسلمة. ولذلك قال تعالى: ﴿ولا تنزعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ (الأنفال: ٤٦) . أي أن الفشل وغياب النصر سببه الفرقة، وهذا هو شأن المسلمين في العصر الحاضر: أمة عظيمة العدد، واسعة الإمكانيات، غنية التراث، ولكنها مع ذلك أمة ضعيفة مشتتة مهزومة، وما ضعفها إلى بفرقتها وتنازعها. وقد دخل التنازع والفرقة على المسلمين من أبواب كثيرة، وأهم هذه الأبواب ما يلي: أولا: الاختلاف في العقائد ومسائل الإيمان:
وقد بدأ هذا الاختلاف يسيرًا في مسائل قليلة؛ كالحكم على مرتكب الكبيرة الذي مات ولم يتب منها؛ أكافر هو أم مسلم؟ وهل يجب قتاله أم لا؟ وفي سبيل ذلك نشأت بدعة الخوارج ثم المعتزلة. ثم بدأ الخلاف حول صفات الله ﷾ وأسمائه. ثم توسع الخلاف العقائدي ليشمل مسائل كثيرة، ويمزق المسلمين إلى نحل وعقائد شتى. ونظرة سريعة إلى كتاب من كتب الفرق؛ كـ "الملل والنحل" للشهرستاني، و"الفرق بين الفرق" لعبد القادر الجرجاني، أو "اختلاف المسلمين وعقائد المصلين" لأبي الحسن الأشعري؛ يريك كم من الفرق العقائدية ظهر قبل تمام القرن الثالث الهجري. واختلاف العقائد بالطبع يؤدي إلى اختلاف القلوب والأعمال. والدعاة السلفيون منذ الصدر الأول دعوا الناس إلى التمسك في أمور العقائد بالكتاب والسنة، وترك التأويل الباطل والهوى والتعصب، وكان لدعوتهم من البركة أن بقي جمهور المسلمين وعامتهم على سنن الحق متمسكين في عقائدهم بالكتاب والسنة. والدعاة السلفيون في هذا العصر، السائرون على منهج السلف الأول في دعوتهم وجهادهم، يدعون الأمة كذلك إلى أخذ عقائدها من الكتاب والسنة فقط، ونبذ جميع البدع العقائدية، والاجتهادات والتصورات الغيبية، التي جاء بها المشعوذون والدجالون والمتكلمون على الله بلا علم، وذلك لجمع شمل الأمة على كلمة سواء، فيكون إيمانهم واحدًا، وبذلك تكون قلوبهم واحدة. ثانيا: الاختلافات العملية: وهذه الاختلافات في أمور العمل من عبادة ومعاملة ونحو ذلك، وإن كان ضرره أخف من أضرار الاختلاف في العقائد؛ إلا أنه يجر أحيانًا إلى الشقاق والخلاف. ولذلك كره رسول الله ﷺ الخلاف مطلقًا، حتى في هذه الأمور العلمية الفقهية.
وهدد عمر بالضرب على خلاف يسير، وقال في مسألة الغسل؛ هل يجب من الإنزال أم من مجرد التقاء الختانين: اسألوا عائشة، فلما ذكرت حديث الرسول ﷺ: [إذا التقى الختانان؛ فقد وجب الغسل] . قال عمر: لو سمعت أن أحكم أفتى بغير ذلك؛ لجعلته نكالًا!! ولما كان الاجتماع على رأي واحد في كل المسائل الفرعية العملية متعذرًا؛ فإن الله ﷾ أمر برد الاختلاف إلى كتابه وسنة رسوله، وقد أمر أيضًا بأن يعذر بعضنا فيما لم نستطع التوصل فيه إلى رأي واحد. وكان هذا هو منهج الصدر الأول من سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم؛ يختلفون أحيانًا، ولكن يعذر بعضهم بعضًا، ولا يتعصبون لأقوالهم، ويردون ما اختلفوا فيه إلى الله ورسوله. وكان هذا أيضًا شأن أئمة الإسلام الأعلام وفقهاء الإسلام في جميع الأقطار -ومن هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم-: يفتون ولا يتعصبون، ويدعون تلاميذهم إلى نبذ التعصب لأقوالهم إذا خالفت الدليل، ولذلك استمرت وحدة الأمة التشريعية الفقهية زمانًا طويلًا.
ولكن نشأ في المسلمين من حرم الاجتهاد والرجوع إلى الكتاب والسنة، وحرم استخدام الدليل؛ زاعمًا أن فهم الدليل والحجة قد ولى، وحرم على الناس العمل إلا بأقوال الأئمة الأربعة، وانتشرت هذه البدعة المقيتة في زمان ضعف الأمة، بزوال ملك العباسيين، وغلبة ملوك من العجم والمماليك الذين لا يحسنون العربية ولا يفقهون في الدين، فنشأ التقليد والتعصب، والتف المقلدون المتأكلون بالدين حول أولئك السلاطين الجهلة، وأغروهم بحرب أهل السنة ودعاة السلفية الداعين إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والتعصب، فأصاب أهل الدعوة السلفية من هؤلاء شر مستطير، وذلك لأن هؤلاء المقلدين الملتفين حول سلاطين السوء أغروا عامة الناس بأن من يطلب الدليل والحجة ويأمر بالاجتهاد؛ فإنه يرفض علم الأئمة الأربعة، ويمقتهم، ويزدريهم، ولما كان عامة الناس يحبون الأئمة ويحترمونهم ولا يستطيعون أن يميزوا بين دعوة التقليد وبين الدعوة إلى الاجتهاد والأخذ بالدليل؛ فإن هؤلاء العامة ركبهم أولئك السفهاء، ووجدت الدعوة السلفية العظيمة من هذا البلاء: بلاء السلاطين الأعاجم الجهلاء، وبلاء علماء السوء المتأكلين بالدين الموالين الطواغيت، وبلاء العامة الذين لا يميزون ولا يعرفون معنى التقليد ومعنى الاجتهاد. وظل الأمر هكذا حتى تهدمت الخلافة العثمانية، وغلب الفرنجة من أهل أوروبا على أرض الإسلام، ووجد المسلمون أنفسهم في مؤخرة الأمم، فصرخوا يريدون العودة إلى الكتاب والسنة.
وبالرغم من هذه الصحوة وهذا التنادي من كل مكان بوجوب تنظيم معاملاتنا وفق الكتاب والسنة؛ فإن هناك من لا يزال يعيش بعقلية التقليد والجمود، ويأبى إلا أن يظل المسلمون في فوضى تشريعية، ويزعم أن كل قول في الدين جوز الأخذ به، ومن يزعم أن الاجتهاد باطل، وأن الدين محصور فيما دونه الأئمة الأربعة فقط، ومن يتهم الدعاة السلفيين بمعاداة الأئمة، بل ومن يوجب على المسلمين أن يتبع كل منهم إمامًا من الأئمة الأربعة، وأن من أخذ بالدليل ورجع إلى الكتاب والسنة؛ فهو مبطل مبتدع. أقول: ما زال في المسلمين من يعتقد هذا ويدعو الناس إلى ذلك. ومعلوم يقينًا أن لكل إمام الرأي والرأيان المختلفان في المسألة الواحدة؛ كما نقول: قال الشافعي في القديم وقال في الجديد، بل والثلاثة والأربعة، وأن كثيرًا من المسائل الفقهية العملية فيها اختلاف واضح، ومعلوم أن القوانين العملية يجب أن تكون واحدة، وإذا كان هناك اختلاف بين الفقهاء في هذه المسائل؛ فكيف تضمن الوحدة التشريعية؟! إن قلنا: نختار قول إمام واحد؛ كان هذا من التعصب، وليس هذا الإمام الواحد معصومًا حتى نأخذ جميع أقواله في جميع معاملاتنا. وإن قلنا بجميع الأقوال؛ كان هذا تناقضًا واختلافًا؛ فكيف يحكم القاضي فيمن تزوجت دون إذن وليها؟! فبعض المذاهب يجيز ذلك، ويرى العقد مع هذا صحيحا، وآخرون يرون العقد مع عدم إذن الولي باطلًا يجب فسخ الزواج؛ سواء قبل الدخول أو بعده؛ فما العمل؟! وإن قلنا: نرجح بين الأقوال؛ فكيف نرجح؟! إن كان بالهوى والتحكم؛ فليس الهوى من الدين. وإن كان الترجيح بالدليل والحجة؛ فهذه هي السلفية، وهو الحق: الترجيح بين أقوال الأئمة المتعارضة، وأخذ أقربها إلى الحق في نظرنا، والبحث عن الدليل دائمًا، وهذا هو الميزان الضابط لوحدة الأمة في أمورها التشريعية.
وهذا جانب من جوانب الدعوة السلفية: الدعوة إلى وحدة الأمة التشريعية في أمورها العملية، وذلك بحب الأئمة الأربعة جميعًا، والنظر إليهم نظرة سواء، وأخذ الأقوال المؤيدة بالدليل، والتي نرى أنها الحق، وعدم التعصب لواحد منهم دون الآخر، مع الاعتراف بفضلهم وعلمهم وجهادهم، والتتلمذ على كتبهم، ودراسة مناهجهم في الفقه، وأخذ أقوالهم، والعمل بها؛ ما لم تخالف الدليل من كتاب أو سنة، وبهذا أمرونا هم ودعونا إلى ذلك. وهذا هو المخرج الحقيقي من تمزق الأمة التشريعي وفرقتها العملية، ومعنى ذلك أنه لا بد وأن ينشأ في الأمة العلماء المجتهدون العالمون، الذين يستوعبون مرحلتهم الراهنة، ويفقهون أوضاع المسلمين الحاضرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخلقية، ويشرعوا للمسلمين في هذه الأحوال جميعًا وفق الكتاب والسنة؛ مسترشدين بعلم الأئمة الأعلام والفقهاء الكرام؛ غير متعصبين لأحد منهم دون الآخر، وإنما يكون ولاؤهم للحق، وتمسكهم بالدليل؛ فهم مع الحق لا مع الرجال، يعرفون الحق بدليله، ولا يعرفون الحق بقائله. وهذا أبرز جوانب الدعوة السلفية، وأكثرها وضوحًا ولمعانًا. إنهم طلاب حق، يطلبونه بالدليل، ومع تقديرهم واحترامهم لأهل الفضل والعلم؛ فإنهم مع ذلك لا يقبلون أقوالهم إذا تحقق لديهم أنها تخالف الدليل.
ولما كان الحق واحدًا لا يتعدد، وكان السلفيون طلاب حق لا عباد رجال؛ لذلك حافظوا على وحدة الأمة؛ فالرجال المتبعون كثيرون، ولو كان كل رجل سيتبعه من الأمة جماعة؛ لتعددت الجماعات، وإذا كان الرجال يختلفون؛ فمعنى هذا أن الجماعات ستختلف، وبذلك تتمزق الأمة وتتشتت، أما إذا كان الارتباط بالحق وللحق، وكان الرجال يقاسون بالحق ولا يتعصب لأقوالهم؛ كان هناك جماعة واحدة هي جماعة الحق، وكان هناك رجال يحترمون ويقدسون وتؤخذ أقوالهم بقدر اتباعهم وتقديسهم وأخذهم بالحق. ولذلك؛ فإننا نقول: الدعوة السلفية دعوة وحدة للأمة في نظام تشريعي عملي واحد، مستند إلى الكتاب والسنة، يأخذ بأقوال الأئمة، ولا يتعصب لرأي منهم. فهل على هذه الدعوة يا قوم من غبار؟! ثالثًا: تيسير فهم الإسلام: أنزل الله ﷾ الدين الإسلامي للناس كافة، وبعث محمدًا ﵌ للعالمين، وبما أن الناس متفاوتون في الذكاء وسرعة الإدراك والفهم، فإن الله جعل هذا الدين سهلًا ميسرًا، ليس في العمل فقط، بل في الفهم والإدراك. فحقائق الدين الأساسية سهلة ميسرة، سواء كانت حقائق عقائدية إيمانية، أو حقائق علمية تشريعية. فتوحيد الله ﷾ من الممكن أن يعلم بكلمات قليلة وبمجالسات يسيرة لأهل العلم الحقيقي المستند إلى الكتاب والسنة. وكذلك فرائض الإسلام الخمس يستطيع الفرد الذي أوتي نصيبًا قليلًا من الفهم أن يلم بأحكامها في وقت يسير: فالوضوء والصلاة يمكن تعلم أصولها في وقت لا يتعدى الساعة أو الساعتين، وكذلك الصوم، وصاحب المال يستطيع معرفة زكاة ماله في وقت يسير إذا بين له ذلك رجل من أهل العلم، وكذلك الحج أيضًا. والخلاصة: أن الإسلام دين ميسر في الفهم والعلم، وكذلك هو دين ميسر في التطبيق والعمل، فلا مشقة فيه بوجه من الوجوه.
ومصداق هذا قوله تعالى: ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ (القمر: ٢٢) . وهذه الآية دليل واضح على أن القرآن -وهو أساس الإسلام الذي حوى جميع علومه- ميسر للذكر، والذكر يتضمن العلم والعمل. وقال ﵌: [إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدُ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا] . وهذا دليل على يسر الإسلام في العمل والفهم أيضًا. ولكن؛ هذا الدين الميسر قد جاء من الناس من عقَّده، وضيق طرق الوصول إليه، وحجب الناس عن الاستفادة من الكتاب ومن السنة، وجعل الإسلام أشبه بالأحاجي والألغاز، وذلك بإكثار المصطلحات الخاصة في كل فرع من فروع العلوم الإسلامية، ونشأت علوم ومعارف ليست من الإسلام في شيء، وقد أسميناها علومًا ومعارف تجاوزًا، وحدث التغالي بعد ذلك في علوم الآلات الموصلة إلى فهم القرآن والسنة، فنشأ التغالي في علوم النحو والصرف وأصول الفقه، إلى الحد الذي أعجز المتخصصين فيه عن أن يصلوا إلى غاية ذلك من فهم القرآن والحديث، بل من فهم الفروع الإسلامية الأخرى، حتى إننا نجد العالم المتخصص في علوم العربية لا يفقه من الكتاب والسنة إلا قليلًا، وقد يكون عالمًا بأصول الفقه لا يحسن التوحيد، بل لا يحسن الوضوء ولا استنباط حكم صحيح من كتاب الله وسنة نبيه، بل الأدهى والأمر من ذلك أن تخرج الجامعات الإسلامية علماء يعتلون المنابر ويخطبون في الناس وهم لا يميزون بين حديث صحيح ثابت عن الرسول وبين الأقوال الموضوعة المرذولة المنسوبة إلى النبي ﷺ زورًا وبهتانًا. وهكذا ساهم تعقيد الدراسة الإسلامية في نشأة أشباه العلماء، الذين يعرفون فرعًا من فروع الدين ولا يملكون رؤية شمولية له.
وكذلك ساهم هؤلاء في نشأة كهانة دينية، جعلت الدين الذي أنزله الله للعالمين محجوبًا عن الناس بعلماء ادعوا أنهم الأوصياء عليه، وإذا جئت تناقش حجتهم في قول ما لتفهم وتعي عن الله وتتدبر قوله؛ قالوا لك: لا تناقشنا! خذ قولنا ولا تسألنا عن الدليل! وذلك ليغمضوا عينيك، وليحولوا الناس إلى سائمة يسيرون وراءهم وهم لا يدرون. والدعوة السلفية تجعل همها الأول تذليل فهم الإسلام للناس؛ فهي تفتح الطريق أمام الناس جميعًا لدراسة الكتاب والسنة دراسة علمية سهلة واضحة، وبذلك يكون العلم مشاعًا للجميع، ويرتبط الناس بالقرآن فيتدبرونه، وبالسنة فيفقهونها، ويصبح فهم الدين والعمل به ليس حكرًا على طائفة معينة تلبس لباسًا خاصًا وتتكلم بلهجة خاصة، وإنما يصبح الإسلام للناس جميعًا علمًا مشاعًا كالهواء الذي نتنفسه. وقد وجدنا أثر ذلك بحمد الله في إخواننا؛ فما أن درسوا الإسلام بالمنهج السلفي؛ حتى كانوا علماء فيه في مدة يسيرة جدًا، هذا مع امتلاك الرؤية الواضحة لمجمل هذا الدين؛ عقيدة، وشريعة، وسلوكيًا، ومع الاستزادة اليومية من علومه؛ استزادة لا تشغل الطبيب عن طبه، ولا المهندس عن هندسته، ولا التاجر عن تجارته، وذلك لأن المنهج السلفي في فهم الإسلام يعطي الدارس مفاتيح فهم الدين؛ فالطالب في المنهج السلفي يعرف أصول الإسلام، ومراجع معرفة العقائد والأحكام، ويعرف كيف يكون ذا فكر مستقل غير مقلد، وكيف يحترم العلماء ولا يتعصب لأقوالهم، وكيف يأخذ الحق أنى وجده ما دام مؤيدًا بالدليل، وكيف يترك الباطل مهما كان مصدره إذا وجد دليل بطلانه، وبذلك يفهم الإسلام في سهولة ويسر.
وإذا كان هذا التيسير مطلوبًا في الأزمان الماضية؛ فهو أشد ضرورة ونحن أكثر حاجة إليه في أزماننا هذه، التي يستغرق فيها التعليم الدنيوي كل عمر الإنسان، وتستهلك فيها الحضارة الحديثة كل وقته، ويركض الناس فيه خلف الحياة بكل طاقاتهم وجهدهم. ولذلك كان المنهج السلفي لتعليم الإسلام وتعلمه هو المنهج الأكمل الأسلم؛ لأنه يأخذ من الفرد أقل الأوقات، ويعطيه أعظم الفوائد، فلا يفني الفرد عمره في معرفة حواش وجزئيات وفرعيات وخزعبلات لا تغني عنه في دينه ولا دنياه شيئًا، وإنما ينصرف إلى حقائق الدين رأسًا، فيتعلم أصول التوحيد ليصحح إيمانه وعقيدته، وأصول العبادات ليصح عمله ويكون صالحًا، وأصول التزكية والأخلاق لتزكو نفسه وتطهر، وكل ذلك من الكتاب والسنة، حيث يتعامل السلفي مع كلام الله الذي سماه روحًا ونورًا، ومع كلام الرسول الذي هو الحكمة والهداية. وهذه هي الفائدة الثالثة والميزة الأولى للسير في الطريق السلفي، طريق النبي محمد ﷺ، الذي علم أمة كاملة بأيسر الجهود وأقل التكاليف. وهكذا كان صحابته كما قال ابن مسعود: "أبر الناس قلوبًا، وأعمقهم علمًا، وأقلهم تكلفًا". وهكذا نريد الجيل السلفي الحديث، على نحو الرعيل الأول: أبر الناس قلوبًا، وأعمقهم علمًا، وأقلهم تكلفًا. ****
- وأشرف التقرب هو الصلاة، وذلك أنه خطاب ومناجاة بين العبد والرب، وفيها تظهر العبودية ظاهرة جلية، وخاصة وقت السجود الذي يصور كمال ذل المخلوق نحو ربه وخالقه ومولاه ﷾، ولذلك قال ﷺ: [أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد] . وذلك أن العبد لما ذل لله وخضع على هذا النحو؛ تقرب الله منه وأحبه وآواه. - وهكذا سائر الأركان؛ فالصوم تذكير بالله وتعليم لتقواه، والزكاة كذلك رأفة وإعانة للفقير ابتغاء مرضاة الله، والحج ما قصد به إلا تعظيم الخالق ﷾ وتوحيده. * وإذا تركت العبادات وأتيت إلى حدود الإسلام؛ وجدت أن الحدود هي شرع الله، وهي الفواصل التي وضعها للتفريق بين ما يجوز وما لا يجوز، وأنها العقوبات التي رتبها على أهل معصيته في الدنيا، ولذلك كانت الحدود توحيدًا، أو هي من أجل التوحيد وعبادة الإله الواحد. * وهكذا سائر المعاملات هي من حدوده وشرعه سبحانه، الذي ارتضاه لخلقه، والذي يأبى أن ينازعه فيه منازع؛ كما قال سبحانه: ﴿إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه﴾ (يوسف: ٤٠) . * وكذلك الأخلاق لا تكون أخلاقًا صالحة إلا إذا كانت وفق شرعه، ولا يثاب عليها صاحبها إلا إذا أديت ابتغاء مرضاته. فالإحسان إلى الوالدين والأقارب والزوجات والأولاد والجيران والأصدقاء والخلان، والعدل بين الناس، ورحمة المسكين، والعطف على الفقير، والصدق، والشجاعة، وكل هذا من الأخلاق الطيبة: لا يكون طيبًا إلا إذا كان في حدود أمر الله.
فالإحسان إلى الوالدين له حدود في الشرع، ولا يكون الإحسان إحسانًا إلا إذا وافق شرع الله وحدوده، ولا يثاب عليها صاحبها إلا إذا عملها ابتغاء مرضاة الله ﷾؛ كما قال جل وعلا: ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا﴾ (النساء: ١١٤) . فبعد أن بين ﷾ أن الصدقة والأمر بالمعروف والإصلاح بين الناس من الخير؛ بين تعالى أنه لا ينال ثواب هذا الخير إلا من فعله ابتغاء مرضاة الله ﷾. وبهذا العرض السريع الكامل لعقائد الإسلام وعباداته ومعاملاته وأخلاقه؛ يتبين لنا أن الهدف والغاية من وراء ذلك كله هو توحيد الله ﷾، وهذا يعني أن التوحيد هو أعظم قضية في الدين، وأنه يجب فهمها فهمًا سليمًا، وتعلمها تعلمًا كاملًا، وربط جميع فروع الدين صغيرها وكبيرها بها.. وهكذا كان الرسل صلوات الله عليهم جميعًا ما بعثوا إلا بالتوحيد؛ قال تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ (النحل: ٣٦) . وقال تعالى: ﴿قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد﴾ (الأنبياء: ١٠٨) . وقد جعلها الله بصيغة الحصر؛ أي: لا يوحى إلي إلا هذا، فكأن دعوة الرسول ما كانت إلا من أجل التوحيد، بل ليس الموحى به إلا التوحيد.. ولذلك؛ فالدعوة السلفية المعاصرة والسالفة لا همَّ لأصحابها وحاملي لوائها -ولا يجوز أن يكون لهم همُّ- إلا إخلاص الدين لله، وتحرير قضية التوحيد، وتفهيمه على وجهه الصحيح.. التوحيد بكل معانيه.
فمعرفة الرب كما وصف نفسه ووصفه رسوله هو أصل التوحيد وبدايته؛ فلا بد من معرفة الرب معرفة صحيحة، ولا طريق لهذه المعرفة إلا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فمن آمن برب ما، ولكنه لا يعرف هذا الرب؛ فما وحد الله كما ينبغي له، بل لا بد أن يشهد لله بما شهد لنفسه سبحانه من الصفات الجليلة؛ كالرحمة، والعلم، والسمع، والبصر، والعلو عن خلقه، ومحبته للطائعين، وبغضه للعاصين الكافرين، واستوائه على عرشه الذي هو سقف مخلوقاته، وكلامه لرسله، ورؤية المؤمنين له في الجنة، وإرادته النافذة في أحبابه وأعدائه.. الخ صفاته الجليلة الكريمة التي وصف بها نفسه مادحا لها، سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. ويأتي بعد هذا الأصل من أصول التوحيد أصول أخرى؛ من محبة هذا الإله، والتقرب إليه وحده، ونبذ جميع أصناف الشرك؛ من دعاء غيره، والرغبة إلى سواه، والخوف مما عداه، ونبذ الخرافات والأوهام. ومن أصول التوحيد نسبة الفضل إلى الله وحده؛ فمنه الخير لا من سواه، وهو الذي يدفع الضر ولا يدفعه أحد غيره. ويأتي بعد ذلك من أصول التوحيد إقامة شرعه في الأرض، والتحاكم عند الخلاف إلى ما أنزله وإلى ما حكم به رسوله لا إلى شيء غير ذلك. ويأتي بعد ذلك من أصول التوحيد إخلاص النيات له في التقرب والطاعة ورجاء المثوبة منه والخوف من عقابه.. إلى أصول وفرعيات كثيرة للتوحيد؛ من جمعها وعلمها وعمل بمقتضاها؛ عرف الله حقًا وعبده حقًا..
والدعوة السلفية تجعل كل هذا نصب عينها، فتدعو الناس أولًا إلى هذه القضية الكلية (توحيد الله)، ثم تبدأ بعد ذلك في تفصيل فرعياتها وجزئياتها، فلا يزال الفرد الذي يسير في الطريق السلفي يرقى كل يوم درجة من درجات سلم التوحيد، ويضيف كل يوم مسألة من مسائله، فلا يمر عليه وقت يسير حتى يكون بحول الله وتوفيقه وحمده موحدًا خالصًا، كل يوم في زيادة من دينه.
وبهذا تفترق الدعوة السلفية عن كل ما عداها من دعوات الإصلاح الجزئية التي تنسب إلى الإسلام، وذلك أن هذه الدعوات تبدأ من جزئية من جزئيات الدين، كأن تحاول تصحيح الحكم والسياسة، وهذه جزئية من جزئيات الدين، وترى أن الوصول إلى تحقيق هذه الجزئية لا يكون إلا بتجميع الناس وعدم تنفيرهم، حتى يساعدهم الناس في الوصول إلى الحكم، ويرون أن تجميع الناس لا يتأتى لهم إلا بالسكوت عن أخطائهم العقائدية، وبذلك يندس فيهم المشركون، والذين يدعون غير الله، ويندس فيهم أيضًا أهل الأهواء من طلاب الرياسات والزعامات؛ لأنهم يرون أن طريقهم موصل لذلك، ويسكتون عن كثير من البدع العقائدية والخرافات، حتى لا ينفروا الناس من دعوتهم في زعمهم، ويخترعون لهذا ما يسمونه بـ (مصلحة الدعوة)، فيحلون كثيرًا من المحرمات، ويحرمون كثيرًا من الطاعات، وقد يكون هذا في مصلحتهم كحزب يسعى إلى الحكم والرياسة، ولكنه حتمًا ليس في مصلحة الدعوة الإسلامية التي يقوم أساسها على التوحيد الكامل، وليس أساسها على الحكم والرياسة؛ فتصحيح الحكم والسياسة من الدين، ولكنه ليس أصل الدين ومنطلقه، ولذلك نص الذين ينتهجون هذا النهج في الدعوة (إصلاح الحكم والسياسة أولًا) أقول: نصوا في كتبهم أن عمل البر من إحسان وزيارة وعبادات وبناء مساجد وغير ذلك إنما هو ظاهر غير مراد لدعوتهم، وأن هدف دعوتهم الأساسي هو إقامة السياسة والحكم، وشتان بين أن يكون هدف الدعوة هو التوحيد وأن يكون هدف الدعوة هو الرياسة والزعامة وإن لبس هذا بلباس الإسلام.
والدعوة السلفية تسعى فيما تسعى إليه إلى إصلاح السياسة والحكم، ولكنها تعتقد أنه جزئية ينزل منزلته من أوامر الذين من حيث الأهمية والأولوية، ويسعى إليه بالقدر السليم الصحيح الذي يتناسب مع القائمين بالدعوة وجهودهم، وهي تدعو الله لكل سلطان صالح يريد الخير للناس، وتدعو جميع السلاطين القائمين إلى تحكيم شرع الله في أنفسهم وما خولهم الله إياه. وأما أولئك الآخرين؛ فإنهم يشرقون ويغصون لو أن حاكمًا دعا إلى شيء من الإسلام، وطبق شيئًا من أحكامه، وذلك أنهم يريدون أن يبقى التناقض قائمًا بين الحاكم والإسلام؛ لتستمر دعوتهم، ويكون مبرر لوجودهم، وذلك أنهم يرون أن توجه الحكام إلى الإسلام نهاية لوجودهم، وسرقة لدعوتهم، وقد يشعرون بهذا، ويحاربون هذا عن علم، وقد لا يشعر بهذا كثير منهم. ولذلك حملهم هذا أيضًا على العصبية في الدعوة، وحب الظهور، والرغبة في ألا يأتي الخير للناس إلا من طريقهم، ولذلك عادوا إخوانهم في الدعوة، وذلك كما تعادي الأحزاب السياسية بعضها بعضًا، يسوؤهم أن يصل آخرون إليه، ولو كانوا مسلمين مثلهم وخيرًا منهم، أو أن يصلح القائمون في الحكم أنفسهم.. وكذلك الشأن في كل دعوة اتخذت جزئية من جزئيات الإسلام مرادًا ومنطلقًا وغاية لها؛ كالدعوات إلى الإصلاح الاجتماعي؛ من محاربة شرب الخمر، والاختلاط، وأندية الفسق والفجور.. ونحو ذلك. وكذلك دعوات البر والإحسان والعطف على الفقراء واليتامى، هذه الجمعيات والدعوات التي تتوقف عند جزئية من جزئيات الدين يضل سعيها، ولا تصل إلا إلى أقل القليل من النتائج، وقد يبقى أفرادها في دوائر ضيقة من العلم والعمل، ثم يتفرقون ويتمزقون، بل قد يجتمع معهم أهل النيات الفاسدة ومحبي الظهور والمدح.
وهذه الأمور من جزئيات الإسلام، وإن كانت مطلوبة مرادة؛ إلا أنها يجب أن تبقى في الإطار العام من دعوة الإسلام الشاملة العامة، وأن تكون أجزاء في هيكل التوحيد وإخلاص الدين لله ﷾. ولذلك كان المنطلق السلفي في إخلاص الدين لله أولًا، وتحقيق التوحيد، ثم إنزال جميع تكاليف الإسلام منازلها بعد ذلك؛ من إصلاح الحكم والسياسة والقضاء، وإقامة الحدود، وتطهير المجتمعات من الفساد، وتربية الرجال والنساء على الدين الحق من عبادات ومعاملات وأخلاق. أقول: هذا المنطلق السلفي هو المنطلق الصحيح السليم، وهي دعوة الرسل، وعلى رأسهم محمد بن عبد الله ﷺ، الذي دعا إلى التوحيد أولًا وأخيرًا، ثم أنزل الأعمال منازلها حيث مناسباتها، فنزل تحريم الأطعمة بمكة، حيث يستطيع المسلمون تنفيذ ذلك.. وكذلك نزلت الصلاة والأخلاق والدعوة والصبر على الأذى وبعض المعاملات في المجتمع المكي، ثم تدرج التشريع من قتال وزكاة وحج وغير ذلك في مجتمع المدينة.. ونحن نرى أن الدين قد كمل بعد حياة الرسول، ولا يجوز تعطيل فرضية من فرضياته، ولكن يقوم أهل الدعوة والجهاد من أوامر الدين بما يستطيعون وما يطبقون تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ (التغابن: ١٦) . ويجب أن يكون ذلك على نهج النبي محمد ﷺ، ووفق سنته، فيحقق التوحيد في أفراد الدعوة أولًا، ثم يدعون إلى العمل الصالح حسب القدرة والاستطاعة والأولوية والمناسبة، ووفق سياسة تحقق للمسلمين أن يقوموا بالدين كله في جميع شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية، وكل هذا في إطار التوحيد الذي هو غاية العمل الإسلامي ومراده. وهذه الميزة للدعوة السلفية هي من أعظم مميزاتها.
وباختصار؛ إذا أردنا أن نعرف الدعوة السلفية؛ قلنا: إنها دعوة التوحيد، والتوحيد يعني هذا الفهم الشامل للدين الذي شرحناه آنفًا ... رأفة وإعانة للفقير ابتغاء مرضاة الله، والحج ما قصد به إلا تعظيم الخالق ﷾ وتوحيده. * ثانيا: تحقيق الوحدة: الدعوة الإسلامية دعوة عامة للناس جميعًا. قال تعالى لرسوله محمد ﵌: ﴿قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا﴾ (الأعراف: ١٥٨) . وقال تعالى: ﴿وما أرسلنك إلا كافةً للناس﴾ (سبأ: ٢٨) . وقال ﷺ في بيان ما امتاز به عن غيره من الرسل: [وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة] . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًا. ولما كان الناس مختلفين في شأن هذه الرسالة العظيمة، ويكون منهم المؤمن ومنهم الكافر؛ كما قال تعالى: ﴿هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن﴾ (التغابن: ٢) . فإن الله ﷾ أوصى عباده الذين آمنوا بأن يكونوا إخوة؛ قال تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ (الحجرات: ١٠) . وقال ﵌: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفس] . ويعني هذا انتفاء الإيمان عند انتفاء الأخوة. ولذلك كان من علامات النفاق الفجر في الخصومة، وهو المبالغة فيها. وقد جاءت الأوامر القرآنية الكثيرة والأحاديث الصحيحة الكثيرة بالحرص على هذه الأخوة وتشييد بنائها والنهي والوعيد الشديد على الفرقة والتفرق؛ كما قال تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءايته لعلكم تهتدون﴾ (آل عمران: ١٠٣) .
وقال الرسول ﷺ: [مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو؛ تدعى له سائر الجسد بالحمى والسهر] . وقال ﷺ: [لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض] . وقال ﷺ: [سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر] . وحث الله ورسوله على كل ما يقرب المسلم من أخيه المسلم، وأجزل الله العطاء لذلك؛ فقد جاء في الحديث: أن رجلًا غفر الله له عندما خرج ليزور أخًا له في الله في قرية غير قريته، وأن الله عجب من رجل وامرأة أطعما ضيفهما وباتا جياعًا مع أولادهما. والحق أن الإسلام لم ينشر إلا بهذه الأخوة العجيبة، التي ربطت بين الصحابة رضوان الله عليهم في صدر الإسلام، فلولا إيواء الأنصار لإخوانهم المهاجرين، وحب المهاجرين وعفتهم مع إخوانهم الأنصار؛ لما كانت هذه الفتوح العظيمة وهذا الانتشار السريع للإسلام شرقًا وغربًا. ولذلك كان من أعظم البلاء على أمة الإسلام ما وقع بينهم من فرقة وخلاف وشقاق جعل السيف بينهم بعد أن كان على أعدائهم، ولذلك قال رسول الله ﷺ لمحمد بن مسلمة: [خذ هذا السيف؛ فقاتل به، حتى إذا وجدت أمتي قد اختلفت وضرب بعضها بعضًا؛ فحطمه على صخرة من صخور سلع] . أو كما قال ﷺ. وهكذا فعل محمد بن مسلمة. ولذلك قال تعالى: ﴿ولا تنزعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ (الأنفال: ٤٦) . أي أن الفشل وغياب النصر سببه الفرقة، وهذا هو شأن المسلمين في العصر الحاضر: أمة عظيمة العدد، واسعة الإمكانيات، غنية التراث، ولكنها مع ذلك أمة ضعيفة مشتتة مهزومة، وما ضعفها إلى بفرقتها وتنازعها. وقد دخل التنازع والفرقة على المسلمين من أبواب كثيرة، وأهم هذه الأبواب ما يلي: أولا: الاختلاف في العقائد ومسائل الإيمان:
وقد بدأ هذا الاختلاف يسيرًا في مسائل قليلة؛ كالحكم على مرتكب الكبيرة الذي مات ولم يتب منها؛ أكافر هو أم مسلم؟ وهل يجب قتاله أم لا؟ وفي سبيل ذلك نشأت بدعة الخوارج ثم المعتزلة. ثم بدأ الخلاف حول صفات الله ﷾ وأسمائه. ثم توسع الخلاف العقائدي ليشمل مسائل كثيرة، ويمزق المسلمين إلى نحل وعقائد شتى. ونظرة سريعة إلى كتاب من كتب الفرق؛ كـ "الملل والنحل" للشهرستاني، و"الفرق بين الفرق" لعبد القادر الجرجاني، أو "اختلاف المسلمين وعقائد المصلين" لأبي الحسن الأشعري؛ يريك كم من الفرق العقائدية ظهر قبل تمام القرن الثالث الهجري. واختلاف العقائد بالطبع يؤدي إلى اختلاف القلوب والأعمال. والدعاة السلفيون منذ الصدر الأول دعوا الناس إلى التمسك في أمور العقائد بالكتاب والسنة، وترك التأويل الباطل والهوى والتعصب، وكان لدعوتهم من البركة أن بقي جمهور المسلمين وعامتهم على سنن الحق متمسكين في عقائدهم بالكتاب والسنة. والدعاة السلفيون في هذا العصر، السائرون على منهج السلف الأول في دعوتهم وجهادهم، يدعون الأمة كذلك إلى أخذ عقائدها من الكتاب والسنة فقط، ونبذ جميع البدع العقائدية، والاجتهادات والتصورات الغيبية، التي جاء بها المشعوذون والدجالون والمتكلمون على الله بلا علم، وذلك لجمع شمل الأمة على كلمة سواء، فيكون إيمانهم واحدًا، وبذلك تكون قلوبهم واحدة. ثانيا: الاختلافات العملية: وهذه الاختلافات في أمور العمل من عبادة ومعاملة ونحو ذلك، وإن كان ضرره أخف من أضرار الاختلاف في العقائد؛ إلا أنه يجر أحيانًا إلى الشقاق والخلاف. ولذلك كره رسول الله ﷺ الخلاف مطلقًا، حتى في هذه الأمور العلمية الفقهية.
وهدد عمر بالضرب على خلاف يسير، وقال في مسألة الغسل؛ هل يجب من الإنزال أم من مجرد التقاء الختانين: اسألوا عائشة، فلما ذكرت حديث الرسول ﷺ: [إذا التقى الختانان؛ فقد وجب الغسل] . قال عمر: لو سمعت أن أحكم أفتى بغير ذلك؛ لجعلته نكالًا!! ولما كان الاجتماع على رأي واحد في كل المسائل الفرعية العملية متعذرًا؛ فإن الله ﷾ أمر برد الاختلاف إلى كتابه وسنة رسوله، وقد أمر أيضًا بأن يعذر بعضنا فيما لم نستطع التوصل فيه إلى رأي واحد. وكان هذا هو منهج الصدر الأول من سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم؛ يختلفون أحيانًا، ولكن يعذر بعضهم بعضًا، ولا يتعصبون لأقوالهم، ويردون ما اختلفوا فيه إلى الله ورسوله. وكان هذا أيضًا شأن أئمة الإسلام الأعلام وفقهاء الإسلام في جميع الأقطار -ومن هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم-: يفتون ولا يتعصبون، ويدعون تلاميذهم إلى نبذ التعصب لأقوالهم إذا خالفت الدليل، ولذلك استمرت وحدة الأمة التشريعية الفقهية زمانًا طويلًا.
ولكن نشأ في المسلمين من حرم الاجتهاد والرجوع إلى الكتاب والسنة، وحرم استخدام الدليل؛ زاعمًا أن فهم الدليل والحجة قد ولى، وحرم على الناس العمل إلا بأقوال الأئمة الأربعة، وانتشرت هذه البدعة المقيتة في زمان ضعف الأمة، بزوال ملك العباسيين، وغلبة ملوك من العجم والمماليك الذين لا يحسنون العربية ولا يفقهون في الدين، فنشأ التقليد والتعصب، والتف المقلدون المتأكلون بالدين حول أولئك السلاطين الجهلة، وأغروهم بحرب أهل السنة ودعاة السلفية الداعين إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والتعصب، فأصاب أهل الدعوة السلفية من هؤلاء شر مستطير، وذلك لأن هؤلاء المقلدين الملتفين حول سلاطين السوء أغروا عامة الناس بأن من يطلب الدليل والحجة ويأمر بالاجتهاد؛ فإنه يرفض علم الأئمة الأربعة، ويمقتهم، ويزدريهم، ولما كان عامة الناس يحبون الأئمة ويحترمونهم ولا يستطيعون أن يميزوا بين دعوة التقليد وبين الدعوة إلى الاجتهاد والأخذ بالدليل؛ فإن هؤلاء العامة ركبهم أولئك السفهاء، ووجدت الدعوة السلفية العظيمة من هذا البلاء: بلاء السلاطين الأعاجم الجهلاء، وبلاء علماء السوء المتأكلين بالدين الموالين الطواغيت، وبلاء العامة الذين لا يميزون ولا يعرفون معنى التقليد ومعنى الاجتهاد. وظل الأمر هكذا حتى تهدمت الخلافة العثمانية، وغلب الفرنجة من أهل أوروبا على أرض الإسلام، ووجد المسلمون أنفسهم في مؤخرة الأمم، فصرخوا يريدون العودة إلى الكتاب والسنة.
وبالرغم من هذه الصحوة وهذا التنادي من كل مكان بوجوب تنظيم معاملاتنا وفق الكتاب والسنة؛ فإن هناك من لا يزال يعيش بعقلية التقليد والجمود، ويأبى إلا أن يظل المسلمون في فوضى تشريعية، ويزعم أن كل قول في الدين جوز الأخذ به، ومن يزعم أن الاجتهاد باطل، وأن الدين محصور فيما دونه الأئمة الأربعة فقط، ومن يتهم الدعاة السلفيين بمعاداة الأئمة، بل ومن يوجب على المسلمين أن يتبع كل منهم إمامًا من الأئمة الأربعة، وأن من أخذ بالدليل ورجع إلى الكتاب والسنة؛ فهو مبطل مبتدع. أقول: ما زال في المسلمين من يعتقد هذا ويدعو الناس إلى ذلك. ومعلوم يقينًا أن لكل إمام الرأي والرأيان المختلفان في المسألة الواحدة؛ كما نقول: قال الشافعي في القديم وقال في الجديد، بل والثلاثة والأربعة، وأن كثيرًا من المسائل الفقهية العملية فيها اختلاف واضح، ومعلوم أن القوانين العملية يجب أن تكون واحدة، وإذا كان هناك اختلاف بين الفقهاء في هذه المسائل؛ فكيف تضمن الوحدة التشريعية؟! إن قلنا: نختار قول إمام واحد؛ كان هذا من التعصب، وليس هذا الإمام الواحد معصومًا حتى نأخذ جميع أقواله في جميع معاملاتنا. وإن قلنا بجميع الأقوال؛ كان هذا تناقضًا واختلافًا؛ فكيف يحكم القاضي فيمن تزوجت دون إذن وليها؟! فبعض المذاهب يجيز ذلك، ويرى العقد مع هذا صحيحا، وآخرون يرون العقد مع عدم إذن الولي باطلًا يجب فسخ الزواج؛ سواء قبل الدخول أو بعده؛ فما العمل؟! وإن قلنا: نرجح بين الأقوال؛ فكيف نرجح؟! إن كان بالهوى والتحكم؛ فليس الهوى من الدين. وإن كان الترجيح بالدليل والحجة؛ فهذه هي السلفية، وهو الحق: الترجيح بين أقوال الأئمة المتعارضة، وأخذ أقربها إلى الحق في نظرنا، والبحث عن الدليل دائمًا، وهذا هو الميزان الضابط لوحدة الأمة في أمورها التشريعية.
وهذا جانب من جوانب الدعوة السلفية: الدعوة إلى وحدة الأمة التشريعية في أمورها العملية، وذلك بحب الأئمة الأربعة جميعًا، والنظر إليهم نظرة سواء، وأخذ الأقوال المؤيدة بالدليل، والتي نرى أنها الحق، وعدم التعصب لواحد منهم دون الآخر، مع الاعتراف بفضلهم وعلمهم وجهادهم، والتتلمذ على كتبهم، ودراسة مناهجهم في الفقه، وأخذ أقوالهم، والعمل بها؛ ما لم تخالف الدليل من كتاب أو سنة، وبهذا أمرونا هم ودعونا إلى ذلك. وهذا هو المخرج الحقيقي من تمزق الأمة التشريعي وفرقتها العملية، ومعنى ذلك أنه لا بد وأن ينشأ في الأمة العلماء المجتهدون العالمون، الذين يستوعبون مرحلتهم الراهنة، ويفقهون أوضاع المسلمين الحاضرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخلقية، ويشرعوا للمسلمين في هذه الأحوال جميعًا وفق الكتاب والسنة؛ مسترشدين بعلم الأئمة الأعلام والفقهاء الكرام؛ غير متعصبين لأحد منهم دون الآخر، وإنما يكون ولاؤهم للحق، وتمسكهم بالدليل؛ فهم مع الحق لا مع الرجال، يعرفون الحق بدليله، ولا يعرفون الحق بقائله. وهذا أبرز جوانب الدعوة السلفية، وأكثرها وضوحًا ولمعانًا. إنهم طلاب حق، يطلبونه بالدليل، ومع تقديرهم واحترامهم لأهل الفضل والعلم؛ فإنهم مع ذلك لا يقبلون أقوالهم إذا تحقق لديهم أنها تخالف الدليل.
ولما كان الحق واحدًا لا يتعدد، وكان السلفيون طلاب حق لا عباد رجال؛ لذلك حافظوا على وحدة الأمة؛ فالرجال المتبعون كثيرون، ولو كان كل رجل سيتبعه من الأمة جماعة؛ لتعددت الجماعات، وإذا كان الرجال يختلفون؛ فمعنى هذا أن الجماعات ستختلف، وبذلك تتمزق الأمة وتتشتت، أما إذا كان الارتباط بالحق وللحق، وكان الرجال يقاسون بالحق ولا يتعصب لأقوالهم؛ كان هناك جماعة واحدة هي جماعة الحق، وكان هناك رجال يحترمون ويقدسون وتؤخذ أقوالهم بقدر اتباعهم وتقديسهم وأخذهم بالحق. ولذلك؛ فإننا نقول: الدعوة السلفية دعوة وحدة للأمة في نظام تشريعي عملي واحد، مستند إلى الكتاب والسنة، يأخذ بأقوال الأئمة، ولا يتعصب لرأي منهم. فهل على هذه الدعوة يا قوم من غبار؟! ثالثًا: تيسير فهم الإسلام: أنزل الله ﷾ الدين الإسلامي للناس كافة، وبعث محمدًا ﵌ للعالمين، وبما أن الناس متفاوتون في الذكاء وسرعة الإدراك والفهم، فإن الله جعل هذا الدين سهلًا ميسرًا، ليس في العمل فقط، بل في الفهم والإدراك. فحقائق الدين الأساسية سهلة ميسرة، سواء كانت حقائق عقائدية إيمانية، أو حقائق علمية تشريعية. فتوحيد الله ﷾ من الممكن أن يعلم بكلمات قليلة وبمجالسات يسيرة لأهل العلم الحقيقي المستند إلى الكتاب والسنة. وكذلك فرائض الإسلام الخمس يستطيع الفرد الذي أوتي نصيبًا قليلًا من الفهم أن يلم بأحكامها في وقت يسير: فالوضوء والصلاة يمكن تعلم أصولها في وقت لا يتعدى الساعة أو الساعتين، وكذلك الصوم، وصاحب المال يستطيع معرفة زكاة ماله في وقت يسير إذا بين له ذلك رجل من أهل العلم، وكذلك الحج أيضًا. والخلاصة: أن الإسلام دين ميسر في الفهم والعلم، وكذلك هو دين ميسر في التطبيق والعمل، فلا مشقة فيه بوجه من الوجوه.
ومصداق هذا قوله تعالى: ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ (القمر: ٢٢) . وهذه الآية دليل واضح على أن القرآن -وهو أساس الإسلام الذي حوى جميع علومه- ميسر للذكر، والذكر يتضمن العلم والعمل. وقال ﵌: [إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدُ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا] . وهذا دليل على يسر الإسلام في العمل والفهم أيضًا. ولكن؛ هذا الدين الميسر قد جاء من الناس من عقَّده، وضيق طرق الوصول إليه، وحجب الناس عن الاستفادة من الكتاب ومن السنة، وجعل الإسلام أشبه بالأحاجي والألغاز، وذلك بإكثار المصطلحات الخاصة في كل فرع من فروع العلوم الإسلامية، ونشأت علوم ومعارف ليست من الإسلام في شيء، وقد أسميناها علومًا ومعارف تجاوزًا، وحدث التغالي بعد ذلك في علوم الآلات الموصلة إلى فهم القرآن والسنة، فنشأ التغالي في علوم النحو والصرف وأصول الفقه، إلى الحد الذي أعجز المتخصصين فيه عن أن يصلوا إلى غاية ذلك من فهم القرآن والحديث، بل من فهم الفروع الإسلامية الأخرى، حتى إننا نجد العالم المتخصص في علوم العربية لا يفقه من الكتاب والسنة إلا قليلًا، وقد يكون عالمًا بأصول الفقه لا يحسن التوحيد، بل لا يحسن الوضوء ولا استنباط حكم صحيح من كتاب الله وسنة نبيه، بل الأدهى والأمر من ذلك أن تخرج الجامعات الإسلامية علماء يعتلون المنابر ويخطبون في الناس وهم لا يميزون بين حديث صحيح ثابت عن الرسول وبين الأقوال الموضوعة المرذولة المنسوبة إلى النبي ﷺ زورًا وبهتانًا. وهكذا ساهم تعقيد الدراسة الإسلامية في نشأة أشباه العلماء، الذين يعرفون فرعًا من فروع الدين ولا يملكون رؤية شمولية له.
وكذلك ساهم هؤلاء في نشأة كهانة دينية، جعلت الدين الذي أنزله الله للعالمين محجوبًا عن الناس بعلماء ادعوا أنهم الأوصياء عليه، وإذا جئت تناقش حجتهم في قول ما لتفهم وتعي عن الله وتتدبر قوله؛ قالوا لك: لا تناقشنا! خذ قولنا ولا تسألنا عن الدليل! وذلك ليغمضوا عينيك، وليحولوا الناس إلى سائمة يسيرون وراءهم وهم لا يدرون. والدعوة السلفية تجعل همها الأول تذليل فهم الإسلام للناس؛ فهي تفتح الطريق أمام الناس جميعًا لدراسة الكتاب والسنة دراسة علمية سهلة واضحة، وبذلك يكون العلم مشاعًا للجميع، ويرتبط الناس بالقرآن فيتدبرونه، وبالسنة فيفقهونها، ويصبح فهم الدين والعمل به ليس حكرًا على طائفة معينة تلبس لباسًا خاصًا وتتكلم بلهجة خاصة، وإنما يصبح الإسلام للناس جميعًا علمًا مشاعًا كالهواء الذي نتنفسه. وقد وجدنا أثر ذلك بحمد الله في إخواننا؛ فما أن درسوا الإسلام بالمنهج السلفي؛ حتى كانوا علماء فيه في مدة يسيرة جدًا، هذا مع امتلاك الرؤية الواضحة لمجمل هذا الدين؛ عقيدة، وشريعة، وسلوكيًا، ومع الاستزادة اليومية من علومه؛ استزادة لا تشغل الطبيب عن طبه، ولا المهندس عن هندسته، ولا التاجر عن تجارته، وذلك لأن المنهج السلفي في فهم الإسلام يعطي الدارس مفاتيح فهم الدين؛ فالطالب في المنهج السلفي يعرف أصول الإسلام، ومراجع معرفة العقائد والأحكام، ويعرف كيف يكون ذا فكر مستقل غير مقلد، وكيف يحترم العلماء ولا يتعصب لأقوالهم، وكيف يأخذ الحق أنى وجده ما دام مؤيدًا بالدليل، وكيف يترك الباطل مهما كان مصدره إذا وجد دليل بطلانه، وبذلك يفهم الإسلام في سهولة ويسر.
وإذا كان هذا التيسير مطلوبًا في الأزمان الماضية؛ فهو أشد ضرورة ونحن أكثر حاجة إليه في أزماننا هذه، التي يستغرق فيها التعليم الدنيوي كل عمر الإنسان، وتستهلك فيها الحضارة الحديثة كل وقته، ويركض الناس فيه خلف الحياة بكل طاقاتهم وجهدهم. ولذلك كان المنهج السلفي لتعليم الإسلام وتعلمه هو المنهج الأكمل الأسلم؛ لأنه يأخذ من الفرد أقل الأوقات، ويعطيه أعظم الفوائد، فلا يفني الفرد عمره في معرفة حواش وجزئيات وفرعيات وخزعبلات لا تغني عنه في دينه ولا دنياه شيئًا، وإنما ينصرف إلى حقائق الدين رأسًا، فيتعلم أصول التوحيد ليصحح إيمانه وعقيدته، وأصول العبادات ليصح عمله ويكون صالحًا، وأصول التزكية والأخلاق لتزكو نفسه وتطهر، وكل ذلك من الكتاب والسنة، حيث يتعامل السلفي مع كلام الله الذي سماه روحًا ونورًا، ومع كلام الرسول الذي هو الحكمة والهداية. وهذه هي الفائدة الثالثة والميزة الأولى للسير في الطريق السلفي، طريق النبي محمد ﷺ، الذي علم أمة كاملة بأيسر الجهود وأقل التكاليف. وهكذا كان صحابته كما قال ابن مسعود: "أبر الناس قلوبًا، وأعمقهم علمًا، وأقلهم تكلفًا". وهكذا نريد الجيل السلفي الحديث، على نحو الرعيل الأول: أبر الناس قلوبًا، وأعمقهم علمًا، وأقلهم تكلفًا. ****
Bog aan la aqoon